في حوارك مع شخص قد تنعته بالغبي أو الكسول أو الكافر أو بأي نعت سلبي أو تتهمه بتهمة ما و أنت لا تعرف أسبابه و خلفياته .. تخيل معي لو أتيح لك أن تتقمص شخصية ذلك الشخص و تتلبس كامل حياته و ذكرياته و مشاعره و آلامه و ترى جميع ما مر به و تشعر بمشاعره في تلك اللحظة التي يتلقى فيها منك تلك الإهانات و التهم و الأذية .. و بعد ذلك مباشرة يرجعونك لجسدك الأصلي لكي ترى ذلك الشخص مجددا .. فهل يا ترى سيبقى رأيك فيه هو نفسه ؟ و هل تعتقد أنك لن تغير حكمك و نظرتك إليه ؟ و أيضا لماذا مجتمعاتنا تحكم بالسطحيات و بما ترى ظاهريا ؟ و كيف السبيل إلى بناء مجتمعات عميقة تفهم و تشعر بما وراء الظواهر ؟
تبادل الأرواح و الأدوار ( لن تحكم على أي شخص لو تحققت هذه التجربة )
فعلاً الحمد والشكر لله على النعم التي وهبنا الله إياها، وعلى أننا لا نُختبر بحياة غيرنا دون أن ندري. تذكرت وأنا أقرأ كلامك فيلمًا عربيًا قديمًا وهادفًا جدًا يناقش هذه الفكرة بالضبط: رجل فقير يستبدل حياته مع رجل غني يشبهه تمامًا، ظانًا أن الغنى سيحل كل شيء. لكن مع مرور الوقت يكتشف أن الآخر غارق في مشكلات وكوارث لا يحتملها، وأن المظاهر لا تعكس أبدًا الحقيقة التي يعيشها الإنسان من الداخل.
الفكرة الجوهرية هي أننا لا نعرف أبدًا خلفيات الناس ولا أثقالهم، وأن الحكم السريع يشبه قراءة كتاب من غلافه فقط. لذلك كلما عرفنا قيمة ما نملك وشعرنا بنعمنا، أصبحنا أهدأ وأعمق وأكثر قدرة على رؤية البشر كما هم لا كما يظهرون.
الاثنان طبعًا نحن محظوظون لأننا لا نُختبر بأوجاع غيرنا ولا نحمل ما لا نطيق، وفي الوقت نفسه ندرك أن ما يعيشه البعض قاسي وغير عادل أبدًا في حقهم.
نحن نرتاح لأن الله لطف بنا، لكن قلوبنا تتحرك لأن هناك من يعيش ظروفًا أقسى، وهذا الازدواج في الشعور طبيعي، فهو يجمع الامتنان على ما نملك، والرحمة لمن يمر بما لا نحتمل لو كنا مكانه.
ليس بالضرورة أن نبدل الأجساد لنشعر بغيرنا يكفي أن نحاول التفكير بماذا سنشعر لو كنا مكان ذلك الشخص أو كيف سنفكر لو كنا في مثل موقفه؟
أحيانًا يكفي التعاطف أو محاولة فهم عقل وتفكير الشخص أو قلبه ومشاعره.
هل هذا يكفي برأيك لكي نشعر بالطرف الآخر و نتعاطف معه بما يكفي و نعدل في حقه ؟ هل التخيل لوحده كافي أم نحتاج إلى تجربة المعاناة حتى نفهم ؟
على الأقل هذا ما بأيدينا، فليس شرطًا للشعور بشخص أن نمر بنفس ما يمر به، فهل مثلًا للتعاطف مع ضحايا الحروب والشعور بهم يجب أن نمر بحرب مثلهم؟ ما يحدث بغزة على سبيل المثال نشعر بالأسف تجاهه ويتعاطف معهم الناس من حول العالم.
لماذا إذن لا ينقذونهم مما فيه و يفتحون لهم باب اللجوء ؟ هل التعاطف القلبي يكفي ؟ أم لابد من خطوات فعلية ملموسة ؟ لماذا كثير من الأموال تصرف على الرياضيين و الفنانيين و على الرفاهيات بدل إعطائها لفقراء غزة لترميم بيوتهم و تعمير أرضهم ؟
هذا الطرح مثالي جداً وغير عملي.
لا يمكننا أن نعيش حياة كل شخص قبل أن نصدر حكماً.
المجتمع يحتاج إلى أحكام سريعة ليواصل سيره، وهذا كفاءة لا سطحية.
إذا أخطأ شخص ما، لا اعتقد أن ماضيه الصعب يلغي مسؤوليته عن فعله الآن
التعاطف مطلوب، لكن المساءلة عن الأفعال ضرورية أيضاً.
الحكم الظاهري هو إشارة واضحة: تصرفاتك لها نتائج، بغض النظر عن خلفيتك.
فهذا التركيز على "الخلفيات" ليس باباً لتبرير الأخطاء وإلغاء المسؤولية الشخصية هذا الذي يبدو لي
أنا لم أقل أن التصرفات الظاهرية ليست لها نتائج و عواقب و لم أقل بإخلاء المسؤوليات .. و لكنني قلت أن رأينا في ( شخص س ) لا نعرف خلفيته و مشاعره و حياته سيختلف عن رأينا فيه في حالة ما إذا كنا قد عشنا نفس ما عاشه بالضبط و كأننا نسخة طبق الأصل عنه .. و أيضا كثيرا ما تكون الأحكام ظالمة لنقص الإلمام بالدوافع و الأسباب و الخلفيات .. و التي لا يهتم بها إلا صنفين من الناس و هم الصنف الذي يحبك و الصنف الذين لديهم إحساس عالي بالعدالة و لهم ضمير إنساني حقيقي
لا يضمن أننا سنفهمه أو نغيّر حكمنا عليه. كل شخص له طريقة تفكير وقيم مختلفة ونحن دائمًا نرى العالم من منظورنا الخاص. إذا أردنا تكوين مجتمع يفهم الأمور بشكل كبير فنحن بحاجة إلى ثقافة تعليمية واجتماعية مستمرة وهذا أمر أكبر بكثير من مجرد تجربة نتقمص فيها حياة شخص آخر.
التعليقات