صرتُ أوقن يومًا بعد يوم أن "الواسطة" لم تعُد مجرد باب خلفي يسلكه من لا يملكون الحق، بل أصبحت الباب الرئيسي الذي تُفتح منه كل الأبواب، ويُسدّ دونه كل من حملَ الشغف وسار في طريقه بأقدامٍ حافية.
كنتُ أؤمن قديمًا أن الجدّ والاجتهاد كفيلان بتمهيد الطريق، وأن لا أحد يمكنه سرقة ما كُتب لك. لكنني وجدتُ الواقع يصفع هذا الإيمان صفعةً موجعة. وجدتُني أسير على درب طويل من المحاولات والتعب، بينما غيري يحمل ورقة موقّعة من "فلان" تعني أكثر من كل الشهادات والخطوات.
لم أكن أطلب معجزة. كنتُ فقط أرجو أن يُمنح كلُّ إنسان فرصته العادلة. أن يُنظر إلى جهدي، لا إلى اسمي. أن يُسأل عن قدرتي، لا عن معارفي. لكننا نعيش في زمنٍ يُقاس فيه الإنسان بعدد الأبواب التي يستطيع طرقها بأسماء غير اسمه.
الغريب أن الواسطة لم تقتصر على الوظائف أو المناصب، بل تسللت إلى كل شيء: القبول في التعليم، ترتيب الأدوار، حتى في أوقاتٍ يُفترض فيها أن يكون العدل هو الأصل.
لا أُخفيكم، مررتُ بتجربة مؤلمة مؤخرًا، شعرتُ فيها أن كل شيء يتوقف على كلمة يقولها أحدهم في مجلسٍ بعيد لا أعلم عنه شيئًا. شعرتُ أن مجهودي الكامل قد يُختزل في عبارة: "هي معاها حد؟".
وما أقسى أن تُسأل عن ظهرك لا عن قوتك، عن واسطتك لا عن كفاءتك.
أنا لا أكره من يملك واسطة، فلربما لو كنت مكانه لفعلت المثل، ولكنني أكره أن يُختزل الحلم والحق في توقيع رجل، لا في قدرات صاحب الحلم.
لسنا ضد الناس، نحن فقط ضد الظلم.
وقد يقال لي: هذه هي الحياة. فأقول: إن كانت الحياة لا تُنصف، فلن أصمت. على الأقل سأشهد على ما يحدث، لا أطبّعه.
وما زلتُ أحاول، رغم كل شيء، أن أفتح بابًا باليد التي جرحتها الأبواب الموصدة.
التعليقات