في سوق المشاعر، حيث تتلاطم أمواج العاطفة وتتباين بضائع الود، ينهى الحكيم عن "ربا المشاعر" – ذلك الدَّين الذي يثقل القلب بفوائد الكره، ويُرهن الإخلاص بأغلال المنفعة. فالحب الذي ينتظر عائداً مادياً، أو يبتغي سلطةً على الروح، حبٌ مشوّهٌ، كالوردة التي تُروى بالخَلِّ فتذبل وتُمرض من يقطفها.

لكن في ميزان الكون الفريد، ثمة ربا وحيدٌ أباحه الرحمن: "ربا الحب". أجل، إنه قانون إلهي رفيع، قانون التضاعف بالعطاء. فمن عاملك بالحب الخالص، من سقاك كأس الودّ من نبع صافٍ لا تشوبه شائبة المنّ، من أهداك روحه بلا ضريبة خفية، من جاد عليك بقلبه لا بلسانه فحسب، فذاك تاجرٌ فريد في سوق الأخلاق، وتلك تجارةٌ مع الله قبل أن تكون مع البشر.

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾... فكيف بمن يعمل جبالاً من الحب؟ إن الحب الخالص عملة سماوية لا تخضع لنواميس الأرض، عملة تتضاعف في سجلّات الرحمة بقدر نقائها وسخائها. من وهبك الحب، لا ترده كلمةً جافة، ولا معاملةً باردة، ولا نسياناً قاسياً. بل أوفِهِ الأجر مضاعفاً:

"أوفِهِ "بلغة القلب النابض بالامتنان، لا باللسان الفصيح وحده.

"أوفِهِ" ببذل الودّ مضاعفاً، فالحب لا يفتقر بالعطاء، بل يثري وينمو كالنهر كلما أسبلت فيه الروافد.

"أوفِهِ" بالوفاء في الشدة قبل الرخاء، فذلك هو الاختبار الأصيل للقلوب.

"أوفِهِ" بالصفح عن الزلات، فحبٌّ لا يعرف العفو، حبٌ ناقصٌ كشمسٍ بلا دفء.

"أوفِهِ " بالثبات في زمن الضباب، عندما تتلبد سماء العلاقات بالشكوك.

إن الذي يعاملك بالحب الخالص، لم يزرع في أرضك إلا درراً مصفّاة، ولم يطلب عند البذر إلا أن تثمر الأرض خيرها. فلا تكن أرضاً قاحلةً لخيرٍ أُهدي إليك. ليكن وفاؤك له كالغيث على الزهر، يضاعف بهاءه وعطره. ليكن حبك رداءً مطرزاً بالوفاء، يكسو روحه الدافئة دفئاً على دفئ.

فهذا الربا الوحيد المشروع، ليس اقتراض مشاعر بفوائد مسمومة، بل هو استثمار في بنك الإنسانية الأسمى. كل قطرة حب صادقة تُردُّ ببحر، وكل بذرة ودّ تُثمر بساتين. فكن خزّاناً للمحبة لا صندوقاً للبخل العاطفي. ازرع في كل قلب عاملك بالودّ، وردةً من امتنانك تضاعف جمال ما أهداك، واروها بوفائك لتنمو وتزهر، فتكون لك عطراً في الدنيا، وأجراً عند الله لا يعلم مضاعفته إلا هو، الذي جعل للخير ثواباً، وللحب الخالص أجراً لا يُحصى.