الوحمة

تُقال الأساطير إن من يمتلك وحمة في جسده، فإنها تحمل سر موته في حياته السابقة. لم أهتم بهذه الحكايات يومًا، لكنها كانت تعود إليّ كلما نظرت إلى يدي. كنت الوحيدة بين إخوتي التي تحمل هذه العلامة، وكنت أتساءل دومًا: لماذا أنا؟ وما السر وراءها؟

كبرتُ وكبر معي تساؤلي، لكن شيئًا آخر بدأ يحدث… الوحمة التي اعتدت رؤيتها كل يوم بدأت تتضاءل، لونها يتغير، ملمسها يصبح مختلفًا. شعرت بالخوف… هل سأفقدها؟ هل سأفقد ذلك الرابط الذي شعرت به دائمًا دون أن أفهمه؟

في تلك الليلة، لم أستطع النوم. ظللت أتأمل يدي، محاولةً فك اللغز. تساؤلاتي أنهكتني حتى استسلمت للنوم… وهناك، رأيتها.

كانت امرأة جميلة تتقدم نحوي بخطوات هادئة. لم أتعرف إليها في البداية، لكن ملامحها بدأت تتضح شيئًا فشيئًا… إنها أمي! المرأة التي لم أرها قط، لكنها كانت حاضرة في روحي دائمًا.

ابتسمتْ ومسحت بيدها على رأسي بلطف، وقالت بصوت دافئ:

"عندما تحتاجينني، ضعي يدك على الوحمة، آمني بوجودي، ونادِ اسمي… سأكون معك."

استيقظتُ فزعة، وقلبي ينبض بسرعة. هل كان ذلك مجرد حلم؟ أم أنها كانت هنا حقًا؟ لم أستطع المقاومة… وضعت يدي على الوحمة، أغمضت عيني، وناديت اسمها.

وفجأة… شعرت بشيء مختلف، كأن الهواء من حولي تغير. وعندما فتحت عيني، كانت أمامي. حقيقية تمامًا، كأنها لم ترحل أبدًا.

لم أستطع منع دموعي، اقتربت منها، لمست وجهها، شعرها، واحتضنتها كما لو أن الزمن كله توقف عند هذه اللحظة. بكيت طويلًا، وأنا أشعر أخيرًا بدفء كان غائبًا عني طوال حياتي.

بعد أن هدأت، نظرت إليّ وقالت:

"الله منحك قدرة ليست لكِ وحدك. استخدميها للخير، انصري الحق، لا تشوهي الحقائق، وساعدي من يحتاجون إليك. لديكِ القدرة على التواصل مع عالم لا يراه الأحياء، والكثير من الأرواح تركت خلفها أسئلة بلا أجوبة، وقضايا لم تُحل. كوني أنتِ الوسيط بينهم، لكن احذري… لا تستخدمي هذه الهبة في الشر."

ثم ربتت على رأسي برفق، وحدّقت في عينيّ قائلة:

"كنت أعلم منذ ولادتك أنكِ استثنائية، وأن تضحيتي من أجلك لن تذهب سُدى. ستأخذين من اسمك نصيبك… ستكونين نورًا يبدد الظلام."

كنت أريد أن أبقى معها للأبد، لكن فجأة، بدأت صورتها تتلاشى. نظرت إليّ للمرة الأخيرة، ابتسمت، ثم اختفت.

وقفتُ في مكاني، غارقة في أفكاري… لم أعد متأكدة مما هو حقيقي وما هو خيال، لكن شيئًا واحدًا كنت أعلمه يقينًا… لم أعد الشخص نفسه بعد هذه الليلة.

كتبت هذا النص وفي داخلي أسئلة كثيرة لو كان فعلا هذا الأمر حقيقيا هل ستكون نعمة أو نقمة علينا كبشر؟