أغلبنا نعيش ضمن علاقات، أهل، أبناء، زوج، صداقات، وبأي علاقة نكون طرف فيها نحن نبذل جهد في هذه العلاقة مع تفاوت الجهد وفقا لتقديرنا لها، او اهميتها بالنسبة لنا، بالمقابل ننتظر على الأقل المعاملة بالمثل، خاصة في ظروف حياتية صعبة، في المرض أو الحزن، أو بأي وقت عصيب، نبحث عن الأيدي التي ستطبطب على كتفنا، لكن بالواقع هذا التوقع قد لا نحصل عليه، وانتظاره في حد ذاته دون نيله صعب نفسيا، فكيف نعيش بسلام نفسي لدرجة لا نتوقع شيء من أحد وبنفس راضية ودون اعتزال العلاقات؟
كيف يمكن أن يعيش الإنسان دون أن يتوقع أي شيء من اي أحد؟
شخصيًا، مررت بفترات كنت أتوقع فيها الدعم ممن أحبهم ولم أجد هذا الدعم، وهو ما أصابني بخيبة أمل كبيرة. لكن مع الوقت تعلمت شيئًا مهمًا: يجب أن أكون صادقًا مع نفسي حول سبب عطائي. إذا كنت أعطي فقط لأتلقي، فأنا أضع نفسي في دائرة لا تنتهي من خيبات الأمل.
أحد الحلول التي وجدتها هو تقليل التوقعات والتركيز على تقديم الدعم لنفسي أولاً. تعلمت أن العلاقات لا تدور حول أخذ وعطاء متساوٍ دائمًا، بل أحيانًا ندفع أكثر مما نأخذ، وهذا طبيعي. المهم أن تكون هذه العلاقات تستحق الجهد بشكل عام.
يجب أن أكون صادقًا مع نفسي حول سبب عطائي. إذا كنت أعطي فقط لأتلقي، فأنا أضع نفسي في دائرة لا تنتهي من خيبات الأمل.
يا أخي نحن بشر، وحتى إن لم يكن هدفي من العطاء هو التلقي، لكن بكل الأحوال سأحتاج لهذا التلقي بأوقات كثيرة، وإلا كيف سأستمر في العطاء، حتى الاباء أن شعروا ان أولادهم لم يعطوا لهم مقابل عطائهم في الصغر قد يتأثروا ويأخذوا موقف، لذا صعب جدا العطاء مع عدم توقع تلقي المقابل، لسنا ملائكة.
بل أحيانًا ندفع أكثر مما نأخذ، وهذا طبيعي. المهم أن تكون هذه العلاقات تستحق الجهد بشكل عام
وما الذي يدفعنا لذلك؟
لا أقصد التحرر التام من الرغبة في تلقي المزيد من الاهتمام بوقت ما، ولكن ما أقصده هو الانتظار للتلقي، فكرة الانتظار بحد ذاتها تجعلك تتألمين في حالة عدم الحدوث أكثر ممن لو تركتي الأمور كما هي، وهذا هو ما أقصده في عدم تلقي خيبات أمل باستمرار.
وما الذي يدفعنا لذلك؟
برأيي المسؤولية، علاقاتك تجاه والديك بها نوع من المسؤولية أكثر من فكرة العطاء والأخذ، وكذلك أبنائك، أنت تعطيهم بغير حساب، ليس لأنك منتظرة منهم رد الجميل، ولكن لمسؤوليتك تجاههم.
للوصول إلى سلام نفسي دون توقع الكثير من الآخرين، علينا أن نبدأ بتغيير منظورنا للعلاقات. أولًا، قبول أن العلاقات ليست دائمًا متوازنة في العطاء والأخذ هو خطوة مهمة. قد لا يكون الآخرون قادرين على تقديم الدعم بنفس الطريقة التي نحتاجها، لأسبابهم الخاصة، وليس بالضرورة لقلة التقدير.
السر يكمن في بناء اكتفاء ذاتي عاطفي، بحيث يكون الدعم الأساسي الذي نعتمد عليه نابعًا من أنفسنا. عندما نركز على تنمية علاقتنا مع أنفسنا، تصبح الحاجة إلى التقدير أو الردود الخارجية أقل حدة.
في الوقت نفسه، الحفاظ على العلاقات يتطلب التفاهم وليس التوقع. يمكننا الاستمرار في العطاء دون أن نربط سعادتنا بما سنحصل عليه بالمقابل. ربما يكون السؤال الأكثر أهمية هنا: كيف يمكننا أن نبني علاقات تتيح مساحة للصراحة والوضوح في احتياجاتنا دون الإحساس بالخذلان إذا لم تُلبى؟
التعليقات