في كتاب الحياة صفحات عديدة، نطوي صفحة فصفحة، نودع بها أُناسًا، وأخري نقابل بها آخرين، ومؤكد أن صفحات الحياة لا تظل مفتوحة مهما كان الشخص مهمًا سيظل عابرًا كغيره بإنطواء صفحته، ولكن فترة التدوين تختلف من صفحة لصفحة، فالأصدق سيكون أطول صفحة تدون في حياتنا، وتفتح لفترة ثم تطوي لسبب.
صفحات الحياة
بالفعل، حياتنا كتاب تنطوي صفحاته واحدة تلو الأخرى، لما لم تعد تعبر عنا، بفعل تغير أفكارنا وتبدل مواقفنا، بسبب تطورنا وتطلعنا نحو المسقبل، عندها نكون ملزمين بفتح صفحات جديدة، قد تعمر طويلا أو قصيرا،بحسب قوتها وما تجلب لنا من راحة واستقرار. لأننا في تغير مستمر، إلى أن تُستنفد صفحات كتابنا كلها، ونوارى الثرى.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، هناك صفحات ذات علامة قوية بحياتنا قد نعتقد أننا طويناها لكن تظل محفوظة ومحفورة بعقولنا وتجاوزها يكون صعبا.
خلال تعمقي في البحث في هذا الأمر وصلت لمعلومة استقوفتني وهي أن كل شخص يقابلنا يومًا هو رسالة إلينا، نتعلم منها شيئًا عن أنفسنا، ومن أحسن قراءة هذه الرسالة تمكن من تتبع وقع هذه المقابلة على نفسه، وتدارك ما لديه من صفات وطباع يود لو تتغير، أو صفات يجب أن يفتخر بامتلاكها أو أخرى يجب عليه العمل لاكتسابها.
فقد تقابل شخصًا يضيئ جانبًا من حياتك ويفتح عينك على أنك رحيم وعطوف، وقد تقابل آخر طباعه تراها مثلًا باردة جافة وتكون أنت سريع الانفعال، فتكون إشارة لوجوب تعلم الاتزان والتعقل في التعامل.
بفعل تغير أفكارنا وتبدل مواقفنا، بسبب تطورنا وتطلعنا نحو المسقبل
هنا أختلف معك جذريًا، هل برأيك تبدل الأفكار والمواقف سبب كافي لطيّ صفحات العلاقات؟
هناك ما يسمى بإعادة ترتيب دائرة العلاقات، أما أن نطويها ونبتعد بكامل اختيارنا هذا فيه شيء من القسوة على النفس وعلى الآخرين.
هنا أختلف معك جذريًا، هل برأيك تبدل الأفكار والمواقف سبب كافي لطيّ صفحات العلاقات؟
نعم سبب كافي وقوي أيضا، ولا أرى أن به شيء من القسوة، ولكن به شيء من الضرورة. نعم سنشعر بالحزن، ولكن هذه الحياة وطبيعتها.
كلما نكبر تتغير أفكارنا، أحلامنا، رؤيتنا، شخصياتنا بالكامل، وهذا هو النضج، ومع كل مرحلة في حياة الإنسان يتغير هو فيها، طبيعي أيضا أن يغير الناس من حوله، بعض الناس وجودهم معطل لكِ، نظرتهم قاصرة أو محبطة، تفكيرهم وطموحهم محدود، يرفضون أن يتغيروا، أن ينضجوا، في هذه الحالة لا يكونون سوى عائق لكِ، الابتعاد يكون شيء طبيعي، لأنك تقومين ببناء حياة مختلفة تماما، حياة لا يستطيعون هم أن يتكيفوا معها، ولا تستطيعين أنت أن تتركيها لتكوني معهم أو حولهم.
بما أنّ حضرتك كتبتِ عن مسألة التدوين وعلاقتها بالعلاقات الإنسانية، إلى اليوم أشعر بأنني عاجز حرفياً أن أعرف كيف البشر يلتقون، كلّنا نعرف كيف تنتهي قصص الحب والصداقات وحتى العلاقات الإنسانية العائلية المقرّبة، لكن ما يعجزني الصراحة في الكتابة هي اللحظات التي يلتقي بها البشر، كيف يلتقون؟ كيف يقابل الناس بعضهم بعضاً؟ وكيف يبنون تفضيلات بناءً على هذا اللقاء، فيمدّون علاقات ويقطعون علاقات بشكل مباشر؟ كل هذه أسئلة تكوّنت معي أثناء تفكيري بالكتابة، لإنّ النهايات وكيفية الافتراق تقريباً أكثر شيء نعرفه سواء بالسينما والتلفزيون أو بالرواية، لكن لقاء البشر وتطوّر العلاقات بمراحلها البدئية، هي الأمر الغريب فعلاً بأي قصّة برأيي.
كلامك صحيح، فالحياة حقا هي مثل كتاب يمتلئ بالصفحات المتنوعة والأحداث المختلفة، إنها رحلة مليئة بلقاءات وفراقات، سعادة وحزن، وكل شخص يمثل صفحة مميزة في هذا الكتاب، قد تكون جيدة كما قد تكون سيئة، ورغم أن بعض الصفحات تبدو قصيرة، إلا أنها تحمل ذكريات لا تنسى، هذا صحيح، لكن نسبيا فقط.
فهذه الحياة تحمل من الشر كما تحمل من الخير، الفهم الحقيقي لهذه الحياة بعيد كامل البعد عن فهمنا له حاليا، ونحن مهتمون بأمور دنيوية بحتة، أغلبنا لا يعرف ماهية خلق الله للإنسان، فهو لم يخلقنا كي نغنم من الدنيا صباح مساء، خلقنا لنعبده، ونحسن عبادته، في كل شيء في حياتنا، عملنا، صداقاتنا، زواجنا، عائلاتنا تصرفاتنا والعديد من الأمور يجب أن تبقى خالصة لله كي تكون مباركة.
صفحات الحياة ليست بريئة تماما، أحيانا توجد بعض الصفحات التي لا فائدة منها وينبغي قطعها ورميها أو تمزيقها، بعضها ممتلئ بالتعاسة والاكتئاب ينبغي قطعه، تمزيقه أو حرقه!
بعضها ممتلئ بالمواقف السيئة التي كنا نتمنى لو تصرفنا بخلاف ما تصرفنا به في بداية الأمر.
البعض فيه مواقف سعيدة، لكن سنة الحياة تقول بأن دوام الحال من المحال فالمواقف الجيدة معروفة بأنها كانت سريعة ولحظية وسريعة الزوال.
بعض صفحات الحياة فارغة بيضاء، كل يوم يمثل صفحة جديدة يجب استغلالها بأحسن حال.
ما يرهقني هو أن كل يوم جديد أبدؤه بهذا الأسلوب لكن مؤثرات الحياة اليومية لا تتوانى عن إرهاق كاهلي وعقلي وتفكيري! فأضطر لحرق تلك الورقة كل يوم!!!
التعليقات