ما بين رجل عجوز سبعيني وشاب في مقتبل العمر، ايهما ستزرع له القلب الوحيد الموجود في المستشفى؟

الطبيب قبل اتخاذه لقرار طبي فإنه لا يُقيم الناس حسب أخلاقهم بالمجتمع وإنما يكون التقييم علمي محض, التقرير الطبي لن يتضمن سجل المريض الجنائي وماضيه وما إذا كانت أسرته تحبه أم تكرهه, سيُكتب ذكر بعمر 20 سنة خال من الأمراض وبحاجة لزراعة قلب, ذكر 70 سنة خال من الأمراض وبحاجة لزراعة قلب, وعلى هذا المنوال يتم اتخاذ القرار الطبي, وبالتالي إن كنت جراح قلب فلن أخرج عن أخلاقيات المهنة لألعب دور القاضي والمصلح الاجتماعي, إن مهمة الحكم على الناس جنائيا هي مهمة القضاء وليس الطب.

كجراح قلب، فإن قرار اختيار من يحصل على القلب المتاح هو قرار صعب ومعقد ولا يمكن اتخاذه بسهولة. ومن الواضح أن الشاب والعجوز كلاهما يستحقان فرصة البقاء على قيد الحياة والحصول على العلاج اللازم.

ولكن يجب النظر الى عدة عوامل، مثل مدى خطورة الحالة الصحية لكل من الشاب والعجوز، ومدى احتمالية نجاح عملية الزرع، وعواقبها المحتملة.

فيما يتعلق بسؤالك حول الشاب القاتل والمخدرات، فإن الأخلاق والقيم الطبية تفرض عدم التمييز بين المرضى بناءً على سلوكهم أو تاريخهم الاجتماعي. وبالتالي، فإن الاهتمام الأولوية يجب أن يكون لحالة الصحية واحتياجات المريض وليس لتفاصيل حياته الشخصية. علاوة على ذلك، فمن الممكن أن يتغير الشاب في المستقبل ويتحول إلى شخص ذو أخلاق حسنة، ولا ينبغي أن يحرم من فرصة العلاج والشفاء.

مرت علينا عملياً تلك المعضلات الأخلاقية وخاصة إبًان وباء كوفيد 19 وذلك في إيطاليا. في تلك الفترة اكتظت المتشفيات و العنابر وفاضت عن آخرها بالمرضى و المصابين فضلاً عن المرضى بأمراض أخرى غير كوفيد. حتى أنهم استعملوا الطائرات كمستشفيات اسعافية. هناك شحت أجهزة التنفس الصناعي لدرجة لم يجدوا معها بد من أن يعطوا الأولوية لصغار السن من الشباب و الشابات؛ وذلك للسبب الذي قلته. فالعجائز و الشيوخ كم سيعيشون وينفعون البلد بالإنتاج و الخدمات؟ بحكمنا الدنيوي لن يعمروا أكثر من الشباب بطيبعة الحال ولذلك كان هذا الحكم. ربما نت تراه غير صائب و متحيز و غير أخلاقي ولكن ماذا كانوا سيفعلون حينها؟

لقد طرحت الآن بدون قصد ربما مشكلةً أراها جوهرية في تعاطينا العربي مع المسائل الاجتماعية وحتى الحكومية، إنّنا نُدخل المشاعر في قراراتنا المصيرية الجماعية، حيث من الممكن أن نعهد بمصير أشخاص ربما في سيارة نعرف أنّها بلا فرامل إذا توافر سائق استطاع أن يُحرّك مشاعرنا ويقلّب علينا الأفكار، سنقبل بذلك. إننا نقحم مشاعرنا في كل القضايا تقريباً ونختار بناءً على هذه المشاعر، والأنكى ربما بأننا صرنا في الفترة الأخرى نشارك في إطلاق الأحكام والحكم بناءً على مشاعرنا أيضاً. في الحالة المطروحة أعلاه، لا يجب أن نطرح أي سؤال آخر إلّا واحد: من هو صاحب الخدمات الأعلى إقتصادياً مجموعياً بينهم؟ من يُقدّم خدمة أهم لكلّ الناس وليس فقط للعائلة. تقول لي مثلاً: الأوّل سائق توكتوك مثلاً على أنّهُ بلا أملاك وعنده طفل، الثاني دكتور جامعة ولديه أملاك وعنده عدة أبناء. أقل لك أجري موازنة بناءً على المجتمع ذاته: من يُفيد أكثر بحياته ومن يضرّ أكثر بموته؟ الإجابة على هذا السؤال سوف تجعلنا نختار بسهولة.

لو اعتمدت على السؤال هنا فقط سأختار أن يموت العجوز، العمر عندي أهم، فيه احتمالية كبيرة لتوبة واعتدال وعمل، أما الرجل الكبير فلا، مهما كان منتجاً وطيباً سيموت مبكراً، هذه الحقيقة قاسية ولكنّها تشتغل للصالح المجموعي.

أنا من الأشخاص الذين لا ينجحون في اتخاذ هكذا قرارات إلا في ساعات حدوثها إذ أن في حينها تظهر عوامل جديدة تفرض علينا قرارات مختلفة عما اعتقدناه. ولكن في كل الأحوال فأنا أميل إلى إنقاذ الشاب إيمانا مني أن زراعة القلب وإنقاذه لربما تكون الفرصة التي تعيد ضميره إلى الحياة. فالعجوز كما قيل لديه كل ما يحب وأخذ فرصته كاملة من الحياة إلا أن الشاب لم ير بعد الحياة كما هي نتيجه ممارسته لسلوك لربما كان للأقدار دور فيه. فما الخطأ في أن أعطي الفرصة لمن يحتاجها والتي تكون لربما بداية إصلاح النفس؟