ينهش التركيز في كلّ المحوطات من المرء قدْرًا ليس بهيّن ، ويرهقه إثر الإلتفات حول أفعال البعض غير المبرّرة ، ومن ثم يؤدي به الاهتمام البالغ للمشاكل النفسيّة من الداخل واضطراب العلاقات من الخارج ويسمع :- كبِّر راسك!

فيظن أنّ هذه الجملة قد قيلت له بشكل عابر أثناء انفعاله، تأثره النفسي بالحزن أو الغضب ، لكن لو اطّلع على قيمتها لما اتخذ غيرها نهجًا لحياته ..

ينفعل إثر تأخر صديقه عليه لدقائق، غفلة زوجته عن تلبية ندائه في إحضار كأسٍ من الماء أثناء انشغالها في البيت، ويدقق حتى في ملح الطعام الذي لو كان أكثر لكان الطعام أجمل، والكثير الكثير من لماذا، لو، وكيف وهل ومتى؟ ومُلهيات الأمور والانتباه لكلّ شاردة وواردة والتي بدورها تجعل دماغ الواحد منا تكتظ بأمور لو فرغّت منها لما نشبت المشكلات ولا الصدامات.

من رأيي، السلام النفسيّ جدًا مهم، به نستطيع أن نُنجز ونتطور فلا نقف في منتصف الطريق بلا حول منا ولا قوة!

وأوّل خطوة للسلام النفسي هو أن نتعلم فن التغاضي ونكون (مُتغافلين).

بالطبع لا يحب أحد أن يُستهان به، نظن أن اهتمامنا بالمحوّطات والبشر يجعلنا في يقظة أنه لن يتم خداعنا أو التلاعب بنا أو سلب حقوقنا.

ولكن! ماذا لو كان التغاضي والتغافل عن نقص أو عيب في عزِّ عِلمنا واطلاعنا بالاشياء!

أن نكون نحن ُ مَن اخترنا هذا بمحض إرادتنا ترفعًا على توافه الأشياء وتفضلًا منا على الأمر المُتغافل عنه!

أعتقد أن هنا سيكون التغاضي لبُّ القوة.

فمَن شدّد نفّر، ومَن تراخى تآلَف، والشرف في التغافُل.

وفي الانتباه لكلّ شاردة وواردة لن يُجلب لنا نفعٌ ، نحن نتتغاضى لأجل سلامة صدورنا وإبقاء الود مع الآخرين، بها تحافظ على طاقتنا من الهدر وتنزع عنا أي ضغينة أو سَوء ..

الحياة أهون من أن نقف فيها عند كلّ محطة ونعيرها الإهتمام الكامل والتركيز المستمر.لن تدوم علاقة طرفاها لم يعرفا معنى التغاضي، ولن يفلح امرؤ اتخذ من التدقيق والمحاسبة نهجًا ووضع الأمور في غير موضعها. يالتغاضي نهزم شهوة نفوسنا ، ونكبر في عين غيرنا

فلا طاقة ولا وقت لهدرٍ ومشاحنات وضيق أفق.

بامكاننا في التدقيق أن ننتصر لنفسنا، لكننا في التغاضي سنكسب نفوسنا وغيرنا.

والآن، هل توافقوني الرأي في أن التغافل من شيم الكرام، أم ترونه ضعفًا واستهانة ؟ ما الحدّ الذي لا تقبلون التغاضي فيه أبدًا ؟