الحب ذلك المصطلح الذي شغل الفلاسفة والعلماء والفنانون، والأدباء، والناس جميعهم، في الحاضر والماضي وفي كل وقت، يسعى إليه البعض، يهرب من البعض الأخر، وينفي وجوده البعض، ويلعن وجوده البعض، بصراحة عندما أفكر في رموز الحب في مختلف الثقافات مثل (قيس وليلى) و(روميو وجولييت) و (ممو زين) _الأخيرة من الأدب الكردي_ وغيرهم الكثير، أو أقرأ أبيات شعر مثل
"وما عجبي موت المحبين في الهوى...ولكن بقاء العاشقين عجيب"
ولا أحتاج إلى ذكر أن معظم قصص الحب المشهورة أو المؤثرة تنتهى بنهايات مآساوية، لكن ليس هذا ما أود التحدث عنه الآن، الفكرة هي لو افترضنا أن الحب هو الفناء والوجد والعذاب و الأرق والذبول
"أيا فوز لو أبصرتني ما عرفتني لطول شجوني بعدكم وشحوبي"
أتحدث هنا عن ما عرف عنه أنه يحرم النوم ويسقم الأبدان، المستمر دون أمل أو مصلحة أو مآرب أخرى، أتوقف هنا وينتابني سؤال: لماذا قد يرغب أحدهم في أن يحب حبا كهذا؟
الروايات الرومانسية هي الأفضل مبيعا، فضلا عن الأفلام، يستمتع الناس بذكر الحب، وينشدونه، ويتلهفون للحصول عليه حتى لو بالدخول في علاقات فاشلة بحثا عنه، وينوحون ويجولون، لكن لماذا؟
يبدو من النظرة السابقة أحد أوجه المأساة البشرية، أو على الأقل مجازفة خطيرة من غير المعقول أن يختارها أحدهم متعمدا؟ فما بال الناس تستعذب ذكره، وتردد قصصه، وأهواله، وعذابه، بل وتتصنعه كثيرا وتحتال باسمه أكثر!
حسب غريزة تجنب الألم عند الانسان كان من المنطقي ألا يرغب أحد في الوقوع في الحب، واعتباره كمرض مثلا يهربون منه أو ماشابه. لكن عندما أمعنت النظر بدا كل شيء واضحا، فالقسم الأكبر من الناس يتوق لأن يُحب بمثل تلك القوة، لا أن يحبوا هم بذلك العنف، الكل يضع نفسه "ليلى" بينما لا يريد أي أحد أن يجن ك"قيس"
الكل يريد أن يحميه شخص ما ولو بحياته، لكن ماذا عن رغبتنا في التضحية بأنفسنا؟
ومن المعتاد اليوم أن نسمع عبارات مثل "أريد شخصا يهتم بي..يسمعني...يفهمني...يحب عيوبي -التي لا تحبها هي نفسها- ..ويتقبلني -بينما لا يتقبل نفسه_ ويعتني به، ويقلب حياتي رأسا على عقب...يفاجئني...يحتويني...إلخ"
أنتم تتفقون معي أن عدد (ياء الملكية) في تلك الجمل يناقض حقيقة الحب كليا، إنه احتياج عميق "للشعور بالحب" فقط.
ولم تضيع الرأسمالية الفرصة، إن الحب الأن يبدو أشبه بمنتج استهلاكي، يباع ويشترى، وله ثمن، وله مواصفات ومعايير، واختلقوا له مظاهر ليتم تحويله إلى هدايا وشكليات تحتاج الكثير من الأموال، ثم في عصر التكنولوجيا يتحول لروبوت، ولأن في العصر الحديث الانسان بالكاد يتقبل نفسه، أو يعتني بها، فهو لا يحتاج أن يحب شخصا أخر، ولن يستطيع على الأرجح، لكنه سيقع حتما في حب روبوت أو تطبيق يخبرك كل لحظة ما تود سماعه، ويتحور كما تريد
ما زلت أتعجب من موت العاشقين في الماضي حبا، لكنهم أيضا لو رأوا واقعنا ومستقبلنا لتعجبوا كيف يمكن للمرء أن يتمحور حول ذاته لتلك الدرجة، وكيف تأتينا الجرأة أن نطلق على هذا الهراء حبا.
التعليقات