لا يخفى على أحد إنتشار و رواج الدراما التركية بسرعة كبيرة .. و تعلق المشاهدين بها بسرعة كبيرة حتى باتت في بعض الدول العربية أكثر إستهلاكا من المسلسلات العربية و المحلية لتلك البلدان .. كما احتلت المرتبة الثانية عالميا بعد المسلسلات الأمريكية ... حتى عام 2008 كانت واردات الدراما التركية لا تتجاوز 10 ملايين دولار و لكنها سرعان ما قفزت إلى أكثر من 200 مليون دولار خلال عام 2014 و إلى 250 مليون دولار عام 2015 ثم إلى أكثر من 350 مليون دولار في 2018 و فقا لتقديرات تركية رسمية. و لعل السبب الأبرز في هذه الزيادات المرتفعة هو ارتفاع نسبة المشاهدات حيث يتابعها أكثر من نصف مليار شخص في أكثر من 140 بلدا حول العالم مما أدى إلى رفع وارداتها من الدراما إلى مليار دولار بحلول عام 2023. و يصل معدل الإنتاج السنوي من المسلسلات في تركيا إلى أكثر من 70 مسلسلا سنويا الا ان هناك ما يقارب ال40 لا يحققون نسب المشاهدة المرجوة فيما يتم تصدير من 10 إلى 15 مسلسلا التي تحقق نجاحا باهرا تترجم إلى عديد اللغات من بينها العربية . لكن هل منا من يتساءل على مدى براءة هذا الإنتشار للدراما التركية؟
هو غزو ناعم بدا للجميع أنه بريئا أو في أسوأ الحالات المقصود منه الترويج السياحي لتركيا .
"القوة الناعمة" أو القدرة على الإغراء دون حاجة إلى إستخدام الإكراه أو القوة وسيلة للإقناع، مفهوم أستخدم للمرة الأولى من قبل جوزيف ناي من جامعة هارفارد الأمريكية حيث أكد على أهمية الثقافة و الإعلام كوسيلتين ناعمتين للسيطرة حلتا مكان القوة العسكرية و الحروب و أحيانا حتى الإقتصاد.
في الحادثة الشهيرة في ملتقى دافوس الإقتصادي 2009تصدى أردوغان و الذي كان وقتها رئيسا للوزراء للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون و أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى. في تلك الجلسة، تصدى أردوغان لبيريز و مدير الجلسة الأمريكي الذي أتاح الفرصة للرئيس الإسرائيلي وللحديث و حاول إسكات أردوغان. و رغم أن العلاقات بين تركيا و إسرائيل لم تتأثر بسبب تلك الحادثة الا أنها فتحت الباب لتقارب عربي تركي سهل لتركيا فرض رؤيتها على الدول العربية و منها إنتاج مسلسل وادي الذئاب الذي تسبب بأزمة دبلوماسية بين تركيا و تل أبيب أدت إلى سحب السفراء على الرغم أن العلاقات بين البلدين بقيت قوية طوال الوقت. عالج المسلسل العديد من القضايا السياسية و الاقتصادية منها الدولة العميقة التي تحكم تركيا و تطرق إلى الأزمة السورية و العراقية في الجزء السابع و الثامن و التاسع كما تطرق إلى القوى العليا التي تقود العالم و تحاول السيطرة على تركيا لتدير العالم من خلالها.
الحكومة التركية بقيادة أردوغان تتفاخر بالإرث العثماني و تعمل على إحيائه بثوب جديد كما تقول. و نجحت إلى حد كبير في إستخدام الدراما لترويج فكرة أن أنقرة هي المنقذ للأمة العربية استفادت أيضا أنقرة من الاضطرابات التي رافقت الربيع العربي و أفول حقبة الدراما السورية و العراقية و بعد عقد من السيطرة جاء الرد من خلال مسلسل "مماليك النار". نجح المسلسل الذي شارك فيه العديد من الفنانين من دول عربية كما حرض هذا المسلسل المشاهدين على إعادة النظر في الفترة التي حكم فيها العثمانيون دول المنطقة منذ خمسة قرون.
يحكي المسلسل قصة آخر سلاطين المماليك، الأشرف طومان باي، الذي هزم أمام جيش السلطان العثماني سليم الأول في مصر عام 1517 في معركة الريدانية، بعدما تعرض لطعنات متتالية على أيدي أمرائه.
فتح إسلامي أم غزو عثماني؟ هذا هو السؤال الذي سيطر على وسائل الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي في مصر أضحى مادة للنقاش في برامج التوكشو، و كان هناك من اعتبر فكرة "فتح" العثمانيين لمصر تهمة يجب محاكمة من يعتقد بها أو يساهم في نشرها.
تأثر نمط حياة المتابع العربي باامسلسلات التركية بما في ذلك الوجبات التي يتناولها في المطاعم، بالإضافة إلى شراء منتجات تركية مختلفة، بما فيها الملابس ... أدوات الطبخ .. السجاجيد و غيرها .. ليس هذا فحسب بل اخترقت الأسواق العربية بشكل ملفت بالتزامن مع غزو الدراما التركية ، و لم يقف التأثر العربي بها في تقليد الموضة فحسب بل امتد الأمر إلى شراء كل ما يتم تداوله في الأعمال الفنية.. كذلك استخدمت الطبيعة و تنوع المشاهد في تركيا المعتمدة على طبيعة خلابة من غابات، شواطئ و أماكن تاريخية إلى إنعاش السياحة حيث باتت تركيا الوجهة الأولى للسياحة في أغلب الدول العربية كما ساهم هذا في إحياء الدولة العثمانية. و أنتم هل يبدو لكم رواج الدراما التركية بريء أم هو مشروع ثقافي أو بالأساس سياسي؟
التعليقات