كنت في صغري معروف بأني متماسك لأبعد الحدود أكاد لا أبكي مهما حدث من مواقف، ومهما أصبت وأشتد بي الألم، لم تكن الدموع تعرف طريقا لي، وكنت أتعامل معها وكأنها شئ يعيب الرجال!
أذكر أني عندما كنت الخامسة عشر من عمري، توفيت جدتي لوالدتي - رحمها الله -
كنت أحبها كثيرا، وأذكر أن العائلة جميعا قد بكت كبارا وصغارا، وكنت واقفا في وسطهم قلبي حزين لفراقها، ولكن دموعي لا تعرف لعيني طريق.
وظللت أتمتع بتلك الصلابة فترة كبيرة، مع ملاحظة أني كنت أقضي كل وقتي مع أسرتي، سواء كنا في البيت أو خارجه، فلم أكن يوما من الشباب الذي يفضل قضاء وقته في الخروج والتنزه مع أصدقائه، بل كنت مستقرا بالبيت في أغلب الأوقات.
ومع دخولي للجامعة حدث تحول مفاجئ.
لقد ابتعدت عن أسرتي فجأة بعدما كنت ملازما لهم، أصبحت أبيت في فراش غريب، مع مجموعة من الغرباء في بلد غريب!!
كان هذا التحول الكبير بمثابة الصدمة بالنسبة لي، ولا زلت أذكر ذلك اليوم.
خرجت من السكن الجامعي وبدأت امشى هائما على وجهي، أفكر في السنوات السابقة وأتذكر حواراتي معهم.
حاولت الإتصال بهم تليفونيا، لكن الهاتف لم يستجب.
وبدأت دموعي تنهمر!!
كانت لحظات غريبة، لم أكن أعي ما يحدث، والأغرب أنني حتى في تلك اللحظة افتقدت لمن يربت على كتفي ويخرجني من هذه الأجواء الحزينة.
تكرر الأمر بعدها عدة مرات في الحقيقة حتى بدأت الإعتياد عليه، وربما أكثر ما استقر بذهني أن البكاء لا يعيب ولا ينقص من صاحبه، وربما يكون وسيلتك الوحيدة لتفريغ ما تمر به من ضغوط ذهنية أحيانا!
تختلف أسباب البكاء وطبيعته من شخص لآخر، وكذلك الأمر بين الرجال والنساء عموما، فما هي أول مرة تتذكر أنك بكيت فيها في نضجك، وهل لو تكرر الموقف من الممكن أن تبكي من جديد؟!
التعليقات