في أواخر عام 2020 أصابتني قفلة القاريء، مررتُ بفترة مخاصمة وربما عداوة بيني وبين القراءة لدرجة مرّت عليّ شهور كاملة لم أقرأ فيها ولا صفحة واحدة! لكن الآن ومع بداية هذا العام تصالحتُ مجدداً مع القراءة وعقدتُ معها معاهدة سلام إذ لا يمكنني التوقف عن عشقها. رجعتُ للقراءة بكل شغف وحماس، في هذه التدوينة سأروي لكم كيف حدث هذا وماذا فعلتُ - وبإمكانكم فعله كذلك- كي أخرج من قفلة القاريء وأستعيد شغفي بالقراءة.
العيب في النظام
اتضح لي أن أسلوبي في القراءة هو ما قادني في النهاية إلى قفلة القاريء، كيف؟ كان الأسلوب يعتمد على مبدأ الكتاب الواحد، أختار كتاباً وأبدأ في قراءته حتى أنتهي منه ومن ثم أنتقل لكتاب آخر وهكذا.. وربما هي الطريقة التقليدية البسيطة التي يتبعها ويطبقها أي قاريء ظنّاً منه أن ليست هناك طُرق وأساليب أخرى غير ذلك. لم أكن أعرف أو بالأحرى لم أكن أريد الجمع بين أكثر من كتاب في وقت واحد، كنتُ أحسبُ أن من الأفضل الانتهاء من الكتاب الحالي ثم الانتقال لكتاب آخر واعتدتُ على هذا الأسلوب لذا لم أعرف بالتحديد هل كنتُ أحبه وأفضّله حقاً أم لا؟
لكن ما كنتُ أعرفه هو أنني في أوقات كثيرة كنتُ أصلُ لمنتصف الكتاب ثم يصيبني الملل ولا أستطيع تكملته، وفي نفس الوقت أنا مُجبر على الانتهاء منه حتى أستطيع الانتقال لكتاب آخر إذ كان لديّ اعتقاد أنني طالما بدأتُ في كتاب ما فلا بد أن أنهيه وممنوع بأي شكل من الأشكال أن أقف في المنتصف وأتركه. كان أسلوباً يمتازُ بالصرامة والجمود ويفتقر إلى المرونة.
بمرور الأيام اكتشفتُ خطأ هذا الأسلوب الذي يشبه كثيراً أسلوب التدريس والتعليم في بلادنا والذي نقرّ جميعاً بعدم فعاليته وبأنه أسلوب فاشل. لذا حاولتُ تجربة أساليب جديدة في القراءة وكان شعاري في سبيل تحقيق ذلك هو "المرونة والبساطة". فلا مانع من ترك الكتاب إذا شعرتُ بالملل منه ولم أجد أي رغبة في إكماله، وهذا هو الصواب فالقراءة ليست فعلُ إجبار، القراءة متعة وحرية. بالإضافة إلى أن العمر ليس فيه مُتسع من الوقت لنضيّعه في كتاب لا يضيف لنا لا فائدة ولا متعة! أن تستمر في كتاب يشعرك بالملل والضيق هو حتماً تعذيب نفسي وعقاب وذهني.
إذاً، ماذا فعلتُ لأتخلص من قفلة القاريء بعد أن حددت المشكلة، وما هو الأسلوب الجديد الذي اتبعته؟
1- تحررتُ من مبدأ الكتاب الواحد، واتبعتُ مبدأ من كل بستان زهرة:
رحتُ أتنقل كالنحلة بين بساتين هذا الكتاب وذاك لدرجة أنني في الوقت الحالي أقرأ في 10 كتب بالتوازي! كيف؟
في البداية شرعتُ في رواية ظل الريح، ثم بعدها بيومين وصلتُ لمنتصفها وشعرتُ أنني في حاجة لقراءة كتاب آخر حتى لا أقع مجدداً في فخ الملل فبدأتُ برواية خاوية للكاتب أيمن العتوم، ثم بعدها بيوم رأيتُ ترشيحاً لرواية ألف ليلة وليلة للكاتب نجيب محفوظ، وتلتها ترشيحات أخرى. هنا قلتُ لنفسي حسناً، سيسير الأمر بهذه الطريقة: سأقرأ بضع صفحات من الكتاب وإذا أعجبني وجذبني سأضيفه للقائمة وبهذا وجدتُ نفسي فجأة أقرأ في 10 كتب في وقت واحد.
وكما أوضحتُ سابقاً كان شعاري هو المرونة والبساطة، لذا فمثلاً في أيام معينة لا أقرأ سوى عشر صفحات فقط من كل كتاب، وأيام أخرى لا أقرأ في العشرة كتب كلهم وأيام أخرى يجذبني كتاب واحد منهم وتشدّني أحداثه لدرجة أن أقرأ فيه وحده طيلة اليوم وهكذا. ووجدتُ في الأمر متعة لا تقاوم، وفائدة كذلك حيثُ أصبح لدي الوقت للقراءة بتأنِ وفهم لكل جملة وكذلك القراءة على مهل دون تسرّع ووجدتُ الوقت الكافي لتدوين أية ملاحظة مهمة أثناء القراءة.
2- إعادة القراءة:
أيضاً من ضمن الحلول للتخلص من قفلة القاريء هو إعادة القراءة، سمعتُ الكثيرين من القرّاء وخاصة المتمرسين يشيدون وينصحون بفكرة إعادة القراءة، أن تعيد قراءة كتاب قرأته من قبل وأعجبك وأن الأمر ممتع ومفيد جداً إذ تتكشف لديك أشياء جديدة لم تلاحظها أثناء القراءة الأولى.
جربتُ هذا الحل ووقع الاختيار على كتاب رائع (في أحضان الكتب للكاتب بلال فضل) كنت قد قرأته قبل سنتين تقريباً وأعجبني كثيراً وهو أول ما قفز بذهني عندما قررتُ إعادة قراءة كتاب سبق أن قرأته. وبالفعل لاحظتُ أن القراءة الثانية فيها متعة وفائدة أكثر من الأولى إذ بين القراءتين قد مر وقت طويل واكتسبت قدراً إضافياً من الخبرة لم يكن موجوداً أثناء قراءتك الأولى.
كلمة أخيرة
أنا مستمتع جداً لأقصى درجة بالأساليب الجديدة التي اتبعتها في القراءة وأعتقد أنها ستستمر معي فترة طويلة إن لم تكن دائمة، فقد وجدتُ المتعة والفائدة بتطبيق هذه الأساليب، وهذا هو المطلوب والهدف من القراءة. قد لا يكون هذا الأسلوب مناسب للجميع والسببُ هو أن كل كتاب سيأخذ أسابيع وربما شهور للانتهاء منه لكن ليست لديّ مشكلة في ذلك (في الحقيقة كانت لدي مشكلة في السابق) أما الآن لا أجدُ ضيراً في ذلك حتى لو قرأتُ كتاب واحد فقط في السنة، ما يهمني هو أنني قد استمتعتُ بهذا الكتاب الواحد وخرجتُ منه بفائدة دوّنتها في دفتر ملاحظاتي. يكفيني هذا.
🙏 أتمنى أن تلهمكم هذه النصائح وتساعدكم على استرجاع شغف القراءة من جديد، القراءة حياة والبُعد عنها لا يُحتمل.
⭐ لقراءة المقال على مدونتي:
التعليقات