الإنسان يعيش ليبحث عن نفسه وبعضنا يموت وهو غريب عنها لم يألفها ولم يرتاح بها، يظل طيلة الوقت يشعر أن هناك شئ ناقص، لا يعلم ماهيته، وآخر غير مألوف لا يدري كيف ألفته.
أظن أغلبنا لو ركز على نفسه سيتأكد أنه غريب عنها، عن ما بها وعن قدرتها وعن مسارها ورغبتها، وهذه الغربة تخلق شعور دائم بعدم الراحة.
فكيف نعرف أنفسنا ونألفها ونتخلص من ألم الاغتراب عنها ؟
أظن أن اكتشاف الذات يبدأ حين نطرح مثل هذه الأسئلة ونواجه أنفسنا بصدق.
الهدوء، العزلة الواعية، والتجربة المتكررة تكشف لنا جوانب فينا ما كنا نراها.
ربما لا نعرف أنفسنا تمامًا، لكن كل خطوة تأمل وصدق تقربنا منها أكثر
التأمل والعزلة الواعية أتفق معك في قيمتهم لكن أجهل كيفية توظيفهم، يعني كيف نوظفهم لمعرفة النفس، فأغلبنا يجلس ويفعل ذلك لكن اغلبنا مازال لا يعرف نفسه فهل لهذا الفعل سبيل نوظفه به ونبصر من خلاله أنفسنا
التأمل والعزلة الواعية فعلاً أدوات قوية، لكن توظيفها بشكل فعّال يحتاج إلى بعض التوجيه والتمرين المنتظم.
بدلاً من الجلوس فقط في صمت، يمكننا تخصيص وقت للتأمل مع تركيز محدد، مثل مراقبة الأفكار والمشاعر دون حكم عليها، أو طرح أسئلة على النفس مثل: “ما الذي يجعلني أشعر بهذا الشعور؟” أو “ما هي القيم التي أعيش من أجلها؟”.
كما يمكن تدوين ما يطرأ على ذهننا خلال العزلة، فهذا يساعد في كشف أنماط التفكير الخفية وفهم النفس بعمق.
التأمل بهذا الشكل المنظم يصبح رحلة استكشاف مستمرة، وليس مجرد وقت هدوء، وبالاستمرار ستزداد القدرة على معرفة الذات وفهم دوافعها.
كنت أكتب بصراحة وادون لكن توقفت شعرت أن هذا ليس كافي، وأنني اشبه شخص يكتب ما يمليه عليه أحد، كتت أكتب احاديثي الداخلية واعاود قرائتها بلا جدوى لكن سأفعل كما ذكرت واحلل واطرح الأسئلة، أشعر أنك تعرف أكثر عن الأمر فهل تنصحني بشئ آخر
اكتب فقط يا إسلام، لا تجعل كتابتك ردا على أسئلة أو بهدف قراءتها بعدين، فقط اكتب كل ما يجول بخاطرك، حتى أثناء أوقات الاستياء.
سيجعلك ذلك على الأقل قادرا على معرفة "ما الذي تشعر به الآن" وهو ما سيقربك ولو خطوة واحدة نحو معرفة نفسك بصدق.
إنها خطوة مفيدة فعلا ساعدتني قليلا، بالطبع لن نعرف أنفسنا بالكامل من خلالها، يحتاج الأمر سنوات طويلة والمئات من التجارب لمعرفة ماهيتنا بصدق، لكنها فعلا خطوة تساعد.
سأحرص على ذلك، أنا أصلا الكتابة تفيدني وقت أكون مضغوط ومرتبك أظن لن أخسر شئ لو استمرت الكتابة فربما تنفع معي في هذا الجانب سأحرص عليها من اليوم
هذا من أصعب الأسئلة وهي قضية من قضايا الفلاسفة الكبرى وهي معرفة النفس! يعني سقراط اظن كتب على باب الأكاديمية التي علم بها تلميذه أفلاطون: اعرف نفسك Know thyself ومن هنا نعرف أن معرفة النفس بمعنى معرفة أسرارها محال من ضمن المحالات! في إحدى كتب العقاد في فصل من فصوله بعنوان: عرفت نفسي يقول ما معناه أن معرفة النفس محالة لأن الإنسان منا لو عرف النفس وسرها لعرف أسرار الوجود و أسرار السموات و الأرض وإنما نحن نعرف أنفسنا بمعنى أننا نعرف ما تريد ومواضع نقصها ومواضع كمالها وحدودها في هذا العالم المحيط بنا. وأعتقد انه محق هنا وأعتقد أن معرفة حدود انفسنا يأتي بالخوة الكثيرة و استبطان أنفسنا و ملاحظة الحديث الذاتي او المونولوج الداخلي و التفكير فيما تريده من وجودها في الحقيقة ولماذا هي هنا في هذا العالم
بمناسبة الحديث الداخلي، ألا تشعر أنه حتى هذا عشوائي للغاية يبدو متضارب أحيانا مع بعضه البعض أو متضارب مع المشاعر أو متضارب مع الأفعال وهذا مرهق وغريب، وبخصوص بقية ما ذكرته فحسب قولك معرفة النفس بهذه الصورة مستحيلة، فهل علينا أن نرضى بشقاء الاغتراب عنها أم برأيك هناك ما يخففه
لا، لن نصل إلى درجة الإغتراب عن النفس وإلا وقعنا بمشكلة كبيرة. ولكن ما تعانيه أنك لا تعرف نفسك كامل المعرفة لأنك ولأني ولأن المعظم لا يعطي فرصة لنفسه لسماع صوتها. ولكن برأيي الحل الأكيد لمعرفة النفس يكمن في تلاوة القرآن بتمعن. هذا حقيقي وعن تجربة لأن خالق النفس ومنزل القرآن واحد وهو أعرف منا بالنفس الإنسانية وقال ربنا: ألا يعمل من خلق وهو اللطيف الخبير؟! فسبحانه يعلم ادق أسرار أنفسنا و القرآن يخاطب أنفسنا ولذلك تجد أحدنا يبكي من آيات بعينها تخاطب اعمق أعماق نفسه وأظن أن هذا حدث مع الغالبية في وقت ما في حياتهم. وربما يرشدك الناس إلى قراءة كتب كذا وكذا للفلاسفة أو علماء النفس أو التنمية الذاتية أو غيرها لتجد نفسك فيها إلا أن معرفة نفسك يكون من خلال رؤيتها من خلال آيات القرآن الكريم.
كيف اقرأ بتمعن يا صديقي اتمنى أن تكون لك تجربة هنا أو طريقة ما تنصحني بها، لا أعرف كيف أفعل ذلك وبكل مرة ينتهي بي الأمر بالتوقف أو العودة للتلاوة فقط دون وقوف وتركيز ولا أعرف كيف تفعلون ذلك
نعم يا صديقي لي تجربة. كنت قد مرض مرضًا شديدًا بكرونا وكنت لأول مرة في حياتي أسحب أنفاسي من خلال انبوبة الأكسجين وكنت اتوقع موتي في كل لحظة. كانت تجربة مريرة بشعة خرجت منها أقدر كل لحظة في الحياة وكأنها نعمة ما بعدها نعمة. ندمت أشد الندم - وانا أخال كل ثانية أني مقبل على الآخرة - على ما فرطت في جنب الله.....لما تماثلت للشفاء بعد انعدام النوم طيلة ثمانية عشرة يوما ورحت أتلو آيات القرآن الكريم، كانت لها في مسمعي وقلبي وقع خاص لا يمكن وصفه! أحسست أن روحًا تخاطبني وتخاطب صميم وجودي وكأني كنت متلبس بشياطين قبل ذلك وقد أخرجها مني المرض والشدة! أحسست معنى أن أكون عبدًا وأن يكون لي رب ومعنى أني مخلوق وأن الشمس و الأرض و مظاهر الطبيعة مخلوقة لله في قبضته. إحساس شديد بقرب الخالق وأنه أرحم بي من نفسي ومن أمي التي ولدتني! إحساس عميق جدًا حتى أني رحت أجادل في تطبيق اسمه نايت كلب الملحدين وأثبت لهم وجود الخالق وروعة الكلام المنزل وان هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن بشر إطلاقًا. كنت رغماً عني وحتى اللحظة لما أتوقف عند آيات بعينها يسح دمعي وترق نفسي وتصفو وأحس أني في أعلى عليين.....
لا أقول أن كل أحد يجب أن يمرض لا قدر الله ليعيش نفس الإحساس ولكن نتعلم من تجارب بعضنا البعض....
في رأيي الإنسان لا يستطيع أن يتعرف على نفسه بنسبة 100% مهما حاول لأن النفس متغيرة وتتأثر بكل ما حولها من تجارب وأشخاص وأوقات مختلفة أحيانًا نظن أننا فهمنا أنفسنا ثم نقوم بتصرف يجعلنا نتساءل هل أنا فعلًا هكذا ربما نستطيع فهم جوانب معينة ونشعر ببعض الهدوء تجاهها لكن الشعور بالغربة عن النفس يعود من وقت لآخر وكأنه علينا أن نستمر في محاولة الفهم والاقتراب والتصالح لكننا لا نستطيع دائمًا الوصول إلى السلام الكامل مع أنفسنا ربما الأهم هو أن نحاول أن نكون صادقين قدر الإمكان وألا ننهار حين نشعر بذلك الاغتراب لأن كثيرًا من الناس يشعرون به وهذا أمر طبيعي
لكن برأيك أليس بها أي ثوابت أو ملامح وأساسيات لا تتغير نستطيع أن نعرف قدر منها فلا نشعر بهذا القدر من الاغتراب وعدم الراحة عنها فأنا بصراحة غير مقتنع بصعوبة الأمر لأنها كليا تتغير أشعر أن بها ثوابت مثلاً فما رأيك
ذات مرة رأيت مقطعا للشيخ سيعد الكملي وقد أتاه سؤال من طالبة تقول بأنها لا تستطيع الدراسة ولا تجد نفسها فيها مما يدفعها لمراكمة الدروس والضغط على نفسها في فترة الامتحانات لكي تنجح في المواد، تقول أنها تفكر في ترك الدراسة والتفرغ للعلم الشرعي الذي تحبه ودراسته لانها تجد نفسها فيه، لكنها تخشى أن يكون هذا خداعا مؤقتا من عقلها للهروب من ضغط الدراسة.
لعل يا إسلام أغلبنا لو كان مكان الشيخ كان سيقول لها اتبعي شغفك، اتبعي ما تحبينه.. الخ
لكن الشيخ أجاب: وهو كذلك، فحتى لو تركت الدراسة وتفرغت للعلم الشرعي ستقولين لاحقا احتاج ان اجد عمل او شي تجارة او او.. ولن تجدس نفسك هذه في أي مكان، الانسان غالبا لا يسعد بالمكان الذي أقامه الله فيه، وأن السعيد في هذه الحياة فعلا هو من يسعد بما هو فيه.
واجابته هنا ذكرتني بقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما يفعل أعدائي بي، أنا حديقتي وبستاني في صدري، أنىّ ذهبت فهي معي، فإن قتلوني فقتلي شهادة، وإن شردوني فتشريدي سياحة، وإن سجنوني فسجني خلوة"
لذا اظن ان الانسان الذي يستطيع التكيف في أي مكان أقامه الله فيه ويصل للجانب السعيد فيه، فهو مثل الماء الذي يتخذ شكل أي إناء يوضع فيه، ربما هذا يا اسلام.. هو اقرب شخص معرفة بنفسه
رغم معرفتي برد الشيخ وبقولة شيخ الإسلام إلا أنني لم أفكر في توظيفهم لجواب هذا السؤال، والآن عندما فكرت أشعر أن هذا حل جيد للغاية ولكن كيف يا رفيق أن نصل حتى إلى نصف معرفة ابن تيمية بنفسه أو حتى ربعها لأن لا أكون طماع من أين لنا بهذا الرضا!
ماهو الشعور الذي ينتابك عندما تستيقظ لصلاة الفجر وتؤديها بخشوع، او ذاك الذي ينتابك عندما تتصدق على أحدهم بكامل رضاك، أو حتى عندما تقول كلاما طيب لشخص مكسور وتشهد بنفسك كيف اثر كلامك به وجبر خاطره.. وهكذا وهكذا.
أظنك لامست ذلك الشعور، وبغض النظر عن اختلاف انفسنا واختلاف علاقة كل شخص منا بنفسه، فذاك الشعور بظني مشترك وهي أقرب نقطة لنا مع أنفسنا، أعني تلك عي اللحظة التي نكون فيها اكثر رضا على انفسنا من اي لحظة اخرى. هذا ماخطر ببالي.. بالطبع لا شك ان هناك طرق اخرى للوصول للرضا، لكن بالنسبة لنا على الاقل نحن ضعفاء الايمان فهذه المواقف هي ما تمنحنا الوقود للاستمرار في الحياة برضا..
التعليقات