الجبان يحذر كل شيء، ولكن بالتأكيد ليس كل حذر جبن، ولكن بعض الجبناء يتحججون بالحذر، والحذيرون يتهمهم الناس بالجبن، فكيف نفرق بين الاثنين لنحسن الحكم على الأمور؟
ما الفرق بين الجبن والحذر؟
ببساطة الفرق بين الحذر والجبن يكمن في النية والموقف، فالشخص الحذر يتخذ قرارات مدروسة ويأخذ احتياطات لتجنب المخاطر، لكنه لا يرفض التحديات بشكل كامل، أما الجبان فيميل إلى التراجع خوفًا من المجهول أو الفشل دون أن تكون هناك أسباب منطقية أو واقعية لذلك، ويمكننا التمييز بينهما بالنظر إلى طريقة التفكير ونسأل أنفسنا هل هناك تفكير عقلاني في اتخاذ الاحتياطات، أم أن الشخص يتجنب المواقف بسبب خوف غير مبرر؟
من المهم أن نتذكر أن الحذر ليس دائمًا تصرفًا إيجابيًا؛ فقد يؤدي أحيانًا إلى الركود أو تفويت الفرص إذا تحول إلى تحجم دائم عن المخاطرة. وفي بعض الأحيان، قد يؤدي "الحذر المفرط" إلى تكرار نفس الأخطاء دون أن يتحسن الشخص أو يتعلم من تجاربه.
إذا كانت المخاوف غير مبررة، فقد يتحول الشخص إلى الجبان الذي يظل في دائرة الأمان ولا يغامر حتى ولو كانت الفرص قد تخدمه في تحسين وضعه أو تطوير مهاراته.
تعلمت أن اتخاذ قرارات صائبة يعتمد كثيرًا على القدرة على مواجهة المخاوف وتحليل المخاطر بشكل عقلاني. أحيانًا نتراجع بسبب الخوف، لكن أهم خطوة هي فهم مصدر هذا الخوف: هل هو خوف منطقي، أم مجرد تردد من ملاقاة التحديات؟
تخيلي طفلين يقفان أمام نهر. الأول يخاف حتى من الاقتراب، رغم أن الجسر أمامه متين، فيبقى مكانه ولا يعبر أبدًا. هذا جبان. أما الثاني، فيقترب، لكن لا يعبر مباشرة، بل يفحص الجسر، يختبر قوته، وعندما يتأكد أنه آمن، يعبر بحذر. هذا حذر.
الجبان يرى الخطر في كل شيء، حتى لو لم يكن هناك خطر. أما الحذر، فهو من يعرف متى يكون الخطر حقيقيًا، ويتصرف بذكاء. المشكلة أن البعض يظنون الحذر جبنًا، والجبناء يختبئون خلف الحذر. لكن الفرق واضح لمن يفكر جيدًا: الجبان يتراجع دائمًا، بينما الحذر يتقدم لكن بتريث وحكمة.
بينما الحذر يتقدم لكن بتريث وحكمة.
في بعض الأحيان تأتي علينا الحياة بفرص تتطلب السرعة في إتخاذ القرارات فإن اخترنا المشي بحذر على الجسر سنجد أننا سنتأخر كثيرا في الوصول إلى الجانب الآخر وقد سبقنا أناس كثيرون وأخذوا خيرات الجانب الآخر ولم يبق لنا سوى الفتات، هكذا الحذر أيضا أحيانا قد لا يكون جبنا ولكنه معطل للأسف.
في المواقف التي تتطلب قرارا سريعا، نقيس المخاطرة بنسبة الامان المتوفرة مع قيمة النتيجة التي نحصل عليها بعد العبور. فاحيانا لا تكون النتيجة مستحقة لهذه المخاطرة (بالنسبة لنا).
وإن كانت تستحق، فنفحص نسبة الامان بشكل عام وسريع ونحلل الامر عقلانيا بناءا على تجارب من سبوقنا ان وجدت او تجارب مشابهة، ثم نعزم على قرارنا ونستخير ثم ننفذه.
وبعد هذه الاسباب (هذه حدود قدرتنا في النهاية) لابد أن نتقبل النتيجة أيا كانت ونتحمل مسؤولية قرارنا. ولانندم.. بل نرضى بها كقضاء مقدر من جهة، ونتعلم الدرس منها من جهة اخرى، لأنه من البديهي أن لا تكون كب تجاربنا وقراراتنا في الحياة صائبة
الحذر: هو تجنب اتخاذ القرار او حتى الخوف من اتخاذ القرار في ضوء وجود نقص في المعلومات
الجُبن: هو الخوف من اتخاذ القرار حتى في ضوء وجود كامل للمعلومات
الشجاعة هي عكس الحذر تماماً بوجود نقص في المعلومات فهو طالما اعتقد بان النقص فانه يقدم على اتخاذ القرار. وهنا تكون المشكلة لانه لو فشل ستكون مصيبة كبيرة عليه ولو نجح ستكون نعمة عظيمة له.
تتداخل بعض الخيوط مع بعضها في الثلاثة، فمثلا الحذر لايتخذ اي قرار لو وجد كل المعلومات لماذا؟ لأنه يعلم ان النتيجة ستكون مكلفة بالنسبة له! الشجاع لايهتم احيانا للنتيجة حتى لو كانت ذات تكلفة عالية ربما لانه يعلم بان الامور ستتحسن بشكل اسرع من المتوقع. بسبب هذا التداخل البسيط قد يتهم البعض الحذِر بالجبان لأنه لم يكن شجاع.
الجُبن: هو الخوف من اتخاذ القرار حتى في ضوء وجود كامل للمعلومات.
وجود كافة المعلومات لا يعني أنها صحيحة، بمعنى أننا لو مقبلين على اتخاذ إجراء ما وجمعنا من هنا وهناك كافة الآراء والمعلومات عنه فما الذي يثبت لنا مدى صحتها؟ في بعض الأحيان قد يكون من الحذر رؤية التجارب تحدث أمامنا على أرض الواقع ومن ثم عند التأكد من أمانها يمكننا براحة أكبر القيام بها بأنفسنا.
ساعطيك مثال
قمت بعمل دراسة جدوى ولديك المبلغ المناسب لبدء المشروع واستعنت بشركة متخصصة وناجحة في دراسات الجدوى وادارة الاعمال
لكنك لم تقومي بخطوة البدء بمشروع وتمسكت بوظيفتك التي يعتبر راتبها "عادي" ومنصبها "عادي" وفرصها المستقبلية صعبة الترقي والتطوير
*هذا يسمى جبن*
المعلومات الخاطئة والغير دقيقة سيكون "حذر"
الحذر ليس بالضرورة جبنًا. الشخص الحذر يفكر قبل أن يتصرف، بينما الشخص الجبان قد يخاف حتى من المحاولة، حتى إذا كانت الفرصة أمامه. الفرق بينهما هو أن الشخص الحذر يضع في اعتباره العواقب ويفكر بذكاء، أما الجبان فيخاف من كل شيء ولا يحاول.
يجب أن نعرف متى نكون حذرين (مثل اللاعب الذي يخطط لحركته)، ومتى نكون جُبناء (مثل اللاعب الذي لا يحاول أبدًا). عندما تكون هناك مخاطر كبيرة، الحذر جيد، أما عندما نُخاف من أشياء ليست خطيرة، فهذا قد يكون جبنًا.
عندما تكون هناك مخاطر كبيرة، الحذر جيد، أما عندما نُخاف من أشياء ليست خطيرة، فهذا قد يكون جبنًا.
ومن الذي يضع لنا معايير للخطورة لكي نحكم على هذا أو ذاك أن مخاطره كبيرة؟ فالشخص الجبان يرى مخاطر في الشيء الذي قد لا يرى به الشخص الشجاع أو الحذر نفس الخطورة بشأنه!
لكن هناك نقطة هامة يجب النظر إليها: الخطورة لا تحددها فقط التجربة الشخصية، بل أيضًا الحقائق الموضوعية. فبعض المخاطر قد تكون واضحة ومثبتة علميًا، مثل السياقة بسرعة عالية أو التعرض للأمراض المعدية، في حين أن الخوف من التغيير أو الفشل قد يكون ناتجًا عن تجارب شخصية أكثر من كونه خوفًا حقيقيًا.
برأي الشخص الجبان قد يبالغ في تقدير المخاطر المحتملة، في حين أن الشخص الشجاع قد يرى الأمور بشكل أكثر موضوعية، ويكون أكثر استعدادًا لتحمل المخاطر إذا كانت لها فوائد واضحة. ولكن أعتقد أن الأهم هنا هو القدرة على التوازن بين الحذر والجرأة، أي أن الشخص الذي لا يحسب حسابًا للمخاطر قد يقع في الأخطاء، بينما الشخص الذي يبالغ في تقييم المخاطر قد يفوت فرصًا جيدة.
الحذر يقترن بالشجاعة، فيظهر من الشخص الشجاعة أحياناً كثيرة، إلى جانب الحذر والتدبر كذلك.
مثل قائد الجيش الذي يتقدم ليغزو، لكن يؤمن أطراف جيشه ويضع الخطط تحسباً لغدر العدو، فهو يخاطر، لكن مخاطرات محسوبة..هذا هو الحذر.
بينما الجبن يتقاعس صاحبه عن المخاطرة من الأساس، فيكون في المثال السابق من القاعدين الذين يخافون التجند والخروج لملاقاة العدو من البداية.
وينطبق هذا التعريف على العلاقات، والأعمال، ومختلف الأمور بنفس الطريقة.
التعليقات