متى يعلم الشخص انه بلغ مرحلة الوعي
سؤال يراودني
الإجابة علي هذا السؤال تأتي علي وجهين
الأول لو كان الوعي يخص عمل أو حرفة أو وظيفة فأعتقد أن الوعي في هذه الحالة هو أن يكون الشخص عنده القدرة الكاملة لإدارة هذا العمل دون توجيه من أحد.
الأمر الثاني لو تقصدين الوعي في الحياة فأعتقد أنه ليس هناك حدود للوعي في حياة الإنسان مهما تقدم في العمر فإن وعيه للأمور يتغير، مثلاً الطفل عنما يكبر قليل يعي الكثير من الأمور وعندما يصل إلى مرحلة البلوغ يعي أكثر ويكون مكلفاً ولكن يظل في مرحلة المراهقة والفكر غير المستقر ، ويكبر أكثر وأكثر ويصل إلى فترة الشباب ويتغير وعيه ولكن مازال أقل وعياً من أصحاب الأربعين والخمسين من العمر، وعندما يصل الإنسان إلى ما بعد الستين يتغير وعيه ويكتسب حكماً جديدة في الحياة، ولكن في كل مرحلة من عمر الإنسان يتغير فيها رأي الإنسان وتفكيره وحكمه علي الأشياء، لذلك يتغير وعي الإنسان وتفكيره في كل شيء ولكن تبقي هناك ثواب لا يمكن التغيير فيها وهي الدين والعقيد فلا يمكن للإنسان أن يغيرها.
ويصل إلى فترة الشباب ويتغير وعيه ولكن مازال أقل وعياً من أصحاب الأربعين والخمسين من العمر، وعندما يصل الإنسان إلى ما بعد الستين يتغير وعيه
أوافقك أن الإنسان يكتسب خبرات جديدة كلما كبر في العمر، لكن كان للفيلسوف "فرانسيس بيكون" وجهة نظر مُقنعة في هذا الأمر، وهي: أن الإنسان لا يصير أحكم بمرور العمر ولا يرتكب أخطاء أقل من الشباب إلا لأنه يتجنب الدخول في مواقف جديدة فقط..
فالفرق بين شاب يخطىء الحكم وشخص كبير السن لا يخطىء، هو أن الشاب بقوة حيويته واندفاعه تجاه الحياة يخوض مواقف جديدة لم يمر بها من قبل فيخطىء فيها، بينما كبير السن بسبب عمره الكبير لا يحاول الدخول في تجارب جديدة وبذلك يتجنب الخطأ، لكن لو دخل كبير العمر في تجارب جديدة قد يخطىء مثله مثل الشاب بالظبط.
أتفق مع الفيلسوف واختلف معه كذلك. أتفق أن الشيخ العجوز يفقد الرغبة في التجريب وخبرة الجديد من الأشياء و المواقف و الأحداث لا لشيئ إلا لأنه فقد الطاقةو القدرة أو بالأحرى ملّها ذلك لأنه عاش كثيرًا وأصبحت الحوادث مكرورة مجربة لا تستحق عناء التجريب من جديد كما قال الشاعر الجاهلي ابن ابس سلمي:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش.......ثمانين حولًا لا أبا لك يسأم
ويقول شوقي أيضاً في قصديته أبا الهول مخاطباً إياه:
أبا الهول ماذا وراء البقاء......إذا ما تطاول غير الضجر
فطول حياة المرء مضجرة ولا يجد الشيخ لذة في تجربة ما جربه وسيجد أن كل شيئ ممل. ولكن أختلف مع بيكون في أن الشيخ إذا ما جرب الجديد فسيخطئ مثل خطأ الشباب! أعتقد لن يخطأ مثل خطاهم لأنه بتجاربه القديمة اكتسب ذوقاً وخبرة وحكمة تمكنه من فعل الصواب عند تجربة الجديد لأه مؤكد أن الجديد ليس جديداً بالكلية ولكن فيه أشياء او مكونات من القديم يستعين بها الشيخ على الحكم على الجديد من التجارب.
بالعكس أخي خالد، أجد أن يقظة الشباب وحيوية أعصابهم تمنحهم فكراً شاملاً واتصالاً بالواقع، ويعيبهم فقط اندفاعهم وعدم تريثهم، بينما كبار السن قد يختلفون عن الشباب في مواجهة واقعاً جديداً لم يختبروه من قبل، وما يزينهم هو تريثهم.
حتى أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجمع في مجلسه بين الشباب والشيوخ لأن لكل منهم ميزة عن الآخر.
في الحقيقة لا أتفق تمامًا مع وجهة نظر فرانسيس بيكون رغم وجاهتها الظاهرة لأنني أرى أن التقدم في العمر لا يعني فقط الابتعاد عن التجارب بل يعني غالبًا نضجًا في طريقة التفكير ومعالجة الأمور فحتى إن خاض الشخص الكبير في السن تجارب جديدة فغالبًا سيتعامل معها برؤية أعمق واستيعاب أكبر للنتائج لأنه يحمل على كتفيه سنوات من التراكم المعرفي والعاطفي بينما الشاب بطبيعته أكثر اندفاعًا وربما أقل وعيًا بعواقب الأمور لذا لا أظن أن تجنّب الخطأ عند الكبار سببه فقط قلة التجربة بل أراه نتيجة نضج حقيقي تشكّل عبر السنين
دعينا لا ننسى أن كبار السن لا يحملون خبرات في كل المواضيع، بل أحياناً كثيرة تكون خبرتهم في جوانب معينة فقط ولا تغنيهم في مواجهة مواقف مختلفة، لا يعلمون عن عواقبها أو ارتباطاتها الكثير.
في الواقع أختلف مع هذا الرأي لأن كبار السن حتى وإن لم يملكوا خبرة تفصيلية في كل المواضيع إلا أن تراكم تجاربهم عبر السنين يمنحهم نوعًا من الفطنة والحس العام في تقييم الأمور هم قد لا يعرفون التفاصيل الدقيقة لكل ما هو جديد لكن غالبًا ما تكون لديهم القدرة على الربط والتحليل بناءً على ما مرّ بهم من مواقف سابقة أحيانًا نظرتهم الهادئة والبصيرة التي اكتسبوها من التجربة تكون كفيلة بتوفير مشورة متزنة حتى لو لم تكن متخصصة وهذا لا يلغي أهمية الاجتهاد الشخصي منّا في التعلّم ولكن لا يمكن التقليل من قيمة ما يملكه الكبار من حكمة عميقة يصعب على من هم أقل سنًا الوصول إليها بسهولة
ما أحببت أن أوضحه أن الإنسان يتغير إدراكه ووعيه مع الوقت بالزيادة والنقصان معاً وليس بالزيادة فقط مع تقدم العمر، وتتغير صورة الأشياء ومعناها مع اختلاف عمر الإنسان، فمثلاً كبار السن حتى وإن اكتسبوا خبرة وحكمة كبيرة في الحياة إلا أنهم يصعب إدراكهم للكثير من الأمور.
أنا شخصياً لاحظت ذلك في الكثير من كبار السن، وعيهم بالمستجدات وإداكهم بها أقل بكثير من الشباب وحتى المراهقين، مثلا لو قارنت بين فهم ووعي أحد كبار السن ومراهق في أمر من أمور التكنولوجيا لوجدت المراهق يعي ويفهم الأمر بسهولة حتي وإن كان الإثنين أول معرفة بالأمر، أيضاً في العمليات الحسابية والتعاملات اليومية ألاحظ أن كبار السن يكون وعيهم بها أقل من الصغار.
بالطبع هذا ليس عيباً فيهم ولكنه بسبب تقدمهم في العمر وأيضاً قد يكون بسبب تركيزهم على إدراك فلسفة الحياة مع الإقتراب من نهاية العمر وليس على الأمور المادية كما يفكر الشباب مثلاً .
أعتقد أن الوعي يمشي يدًا بيد مع النضج، وله الكثير من العلامات مثل أن يجد الشخص نفسه يفهم الأشياء والأشخاص والأحداث على حقيقتها بطريقة لم يعهدها من قبل، ويجيد تقييم الأمور، ويصبح أهدأ في ردود الأفعال والأقوال فيتمهل ويفكر جيدًا في الأمر من أكثر من ناحية قبل أن ينطق أو يتصرف، وكذلك أن يتقبل الآراء والأفكار المختلفة عن أفكاره حتى إن كان لا يؤمن بها فيكفي أن يقتنع بوجود اختلاف وأنه لا يجب أن يفكر كل الناس بنفس الطريقة أو يعتنقوا نفس المعتقدات.
التعليقات