في مرة من المرات، كنت جالسة بهدوء مع مجموعة من المعارف، وإذا بأحدهم يسألني فجأة: هل صحيح أنك انتقلت من بيت العائلة؟ لماذا غيرتِ وظيفتك؟ كم راتبك؟ والكثير من الأسئلة الخاصة وكأن حياتي أصبحت ملكًا عامًا! حينها ابتسمت وغيرت الموضوع بلطافة، لكن بداخلي كنت أفكر: متى أصبح الخوض في تفاصيل الآخرين أمرًا عاديًا؟ الخصوصية ليست جريمة، والاحتفاظ ببعض الأمور لأنفسنا لا يعني أننا نخفي شيئًا، بل أننا نختار ما نشارك به. شاركونا كيف تردون عندما تتجاوز الأسئلة حدود الراحة؟
في مجتمع لا يعترف بالحدود الشخصية، متى نقول: هذا ليس من شأنك؟
هذا الأمر يضايقني حقاً، حتى يجعلني أشعر بأنني لا أريد الجلوس مع هؤلاء، لكن الهروب من هذه التفاصيل والجلوس منفرداً ليس بحل.
لذا أصبحت أفعل مثلك تماماً، إذا سألني شخص عن تفاصيل لا اريد الإفصاح عنها، أغير الموضوع وحينها يشعرون بأنني لا اريد الإجابة عليهم لكن بشكل ظريف.
أحيانًا بعض الأشخاص لا يكتفون حتى بتغيير الموضوع، بل يستمرون في السؤال كأنهم يحاولون فك شفرة سرية، مثلًا، عندما أقول لهم دعونا نترك هذا الحديث لوقت آخر، يبدأون يلحون بأسئلة مثل المحققين في الأفلام البوليسية، وهنا أجد أن أفضل طريقة هي المزاح والضحك عليهم قليلاً" فمثلاً أقول: "هل لديك إذن خاص للدخول إلى هذه المنطقة المحظورة؟!" بهذه الطريقة أستطيع أن أحافظ على راحتي وأخرج من الموقف بابتسامة دون أن أجرح أحدًا.
شاركونا كيف تردون عندما تتجاوز الأسئلة حدود الراحة؟
لابد أن نكون هنا بصيرين بمن يسألنا. لأنه عن تجربة قد يكون من يسألنا واحد من اثنين لا ثالث لهما: أحدهما خبيث يحب ان يستقصي امورنا لكي يحسد أو يغل أو ليطمئن أننا لم نسبقهم ...إلخ من كل تلك الصفات المذمومة أو يسأل بحسن نية ويريد خيرنا وما أقلهم. الأول لا نجيبه وقد نتجاهل سؤاله كأننا لم نسمعه بل نتشاغل عنه كي يعرف أنه تجاوز الحدود. أما الثاني فنبسم في وجهه ونلاطفه ونجيب عن بعض أسئلته التي نريد أن نجيب عليها ونتجاهل البعض الآخر مما لا نحب أن نبوح به ثم نغير الموضوع وننهي الحوار بكلمة من قبيل: دعواتك....
صراحة أحب أن يمنحني النوع الثاني من الناس الفرصة لأقول له ذلك بنفسي، لأن غالبًا ما يكون نابعًا من نية صافية وربما يصبح صديقًا مقربًا، ولكن ذوقيًا في جميع الحالات سواء مع النوع الأول أو الثاني، لا يجب توجيه الأسئلة التي تخترق خصوصياتنا أو تسبب لنا إحراجًا، فالحدود محفوظة والاحترام هو الأساس.
أتفق معك في أنه من المفترض أن يراعي الجميع خصوصيات الجميع ولكن المفروض عندي وعندك غير المفروض عند (س) أو (ص) من الناس؛ واذا كانوا من النوع الثاني ولا يتفهمون ذلك فعلينا ملاظفتهم وإفهامهم مواضع الحدود التي يجب أن يتوقفوا عندها.
ليتني أستطيع ذلك بكل سهولة، لكن للأسف عندي مشكلة كبيرة في مواجهة أي شخص، ولا استطيع أن أقولها صراحة أو أوضح الحدود في هذه الأمور سواء باستخدام كلمات محرجة مثل دعني وشأني أو حتى إذا حاولت استخدام أجمل الكلمات وأرقها، دائمًا أشعر أنني أتعثر ولا أعرف كيف أضع الحدود بوضوح دون أن أجرح أو أسبب إحراج، هل لديك أي نصيحة تساعدني أتغلب على هذا الشعور؟!
بالضبط كما قالت صاحبة الحكاية المشهورة حينما سألها ما بداخل الطبق فقالت مستنكرة: ولما اخفيناه إذن؟! بمعنى أننا لا يصح أن نسأل عما يستتر عنا. ذات مرة صديق الشارع الذي أسكن فيه هو يمازحني دومًا فقال لي : ما بداخل هذا الكيس الأسود؟ هذا سؤال لا ينتزر جوابه بالفعل فقلت مازحًا: لقد أتيته به أسودًا بعينه حتى لا ترى ما بداخله أنت ههههه. بالطبع، نسنتطيع بصنعة لطافة أن نتخلص من أمثال تلك الأسئلة دون إحراج كبير للأطراف السائلة.
شخصيا لا أمانع أن أقسو بعض الشيء على من يتطفل على شئوني الخاصة عندما يضغط علي زيادة عن اللزوم، لكن تختلف حدة ردي تبعا لكون الشخص يسأل ليطمئن علي أم إذا اراد التدخل فيما لا يعنيه وحسب. لكن في كل الأحوال فأنا لدي مطلق الحرية لأرفض تدخل أي شخص في أي شان من شئوني الخاصة ولست مضطرا للرضوخ لأي ضغط
شاركونا كيف تردون عندما تتجاوز الأسئلة حدود الراحة؟
دخلت المساهمة، وأنا جاهز برد مقولب حول ضرورة عدم مشاركة خصوصياتك على الشبكة، ثم التشكي من تدخل الطفيليات البشرية، لأن الشبكة الافتراضية هي من قامت بتحطيم الحدود الشخصية.
لكن، وبما أن الأمر راجع إلى ظاهرة قديمة قدم البشرية نفسها، وتصب في الغيبة والنميمة وغير ذلك، فالمسألة مختلفة، وهنا أنقل لك تمهيدا كلام الكندي:
الأب رب، والأخ فخ، والعم هم، والخال وبال، والأقارب عقارب.
والإمام ابن الجوزي يقول اخف ثلاث عن الناس: ذهبك وذهابك ومذهبك
ذهبك، يعني لا أحد ينبغي أن يعرف كم لديك من المال، لو عرفوا أنه كثير طمعوا فيك، ولو عرفوا أنه قليل استهانوا بك.
ذهابك: الأعمال تحصل في صمت، ولو تكلمت ما حققت شيئا.
مذهبك: لا تكشف داخلك لأحد، لا تجعل أحد يعرف أنك تعرفه على حقيقته، لا تنصح أحد وهو لم يطلب نصيحتك.
باختصار، شأنك هذا، الذي عرف به أقربائك، كان حرّي بك، أن تتكتمي عليه، لو كان الناق هو أمك أو أختك أو زوجك أو أيا يكن، تكتمي عن الجميع، بحيث يصبح شأنك، سرّ بينك وبين نفسك فقط. وكما قال أحدهم في فيلم لا أتذكره جيدا، لكي يتم حفظ سرّ بين ثلاثة، يجب أن يموت اثنين منها (أو يظل السرّ في سريرة نفسك).
لي ثلاث استراتيجيات استخدم أحدها في الأوقات التي لا أخجل بها
1-إما الرد بعصبية وبعنف
2-وإما أتكتم عن الجميع
3-وإما أفصح للجميع ولا أبالي.
بالنسبة لي أرى أن احترام خصوصية الآخرين هو انعكاس مباشر لوعينا وحدودنا الشخصية فالسؤال عن الراتب أو القرارات الشخصية دون علاقة مباشرة أو مبرر مقنع يعد تجاوزًا غير مريح وغالبًا ما أواجه هذه المواقف بابتسامة حازمة وأرد بكلمات بسيطة مثل أنا أفضل الاحتفاظ بهذه التفاصيل لنفسي أو أقول مازحة لا أشارك أسرار الدولة بسهولة هذه الردود اللطيفة تضع حدًا دون إحراج أحد لأن العلاقة الصحية تقوم على الاحترام لا الفضول المفرط
التعليقات