أحيانا كثيرة أتسأل:
~هل انا كاذبة لو قلت كلاما اعتقد انه صحيح لكنه خاطئ؟
~وهل اكون صادقة لو اردت الكذب بموضوع اجهله فظهر ما قلته صدقا؟
لو أن معلمًا أعطى معلومة خاطئة لتلميذ وهو يظنها صحيحة، فهو مخطئ لكنه صادق.
أما من يروي إشاعة وهو يعلم بباطلها، فحتى إن صادف أن كانت صحيحة، يبقى كاذب النية.
الكذب ليس مجرد "قول غير صحيح"، بل هو نية مسبقة لتضليل الآخر.
فإذا قلت شيئًا خاطئًا وأنت تظنه صحيحًا، فأنت لست كاذبًا، بل مخطئ صادق. أما إن قلت شيئًا صحيحًا وأنت تنوي الكذب، فأنت "كاذب محظوظ".
الصدق لا يُقاس فقط بنتيجة القول، بل بالمقصد الذي سبق الكلام. فالعبرة ليست فقط بما يُقال، بل بلماذا قيل وكيف قُصد.
وبالتالي: الصدق الحقيقي يبدأ من الضمير لا من النتيجة.
وهل اكون صادقة لو اردت الكذب بموضوع اجهله فظهر ما قلته صدقا؟
لا، لا تُعدّين صادقة. لأن النية كانت الكذب، حتى لو صادف أن كلامك كان حقيقيًا. في هذه الحالة، الصدق جاء بالصدفة، لكن نية التضليل كانت موجودة، وهذا ما يجعل الفعل كذبًا من الناحية الأخلاقية. الصادق هو من ينوي قول الحقيقة، حتى إن أخطأ. والكاذب هو من ينوي قول الباطل، حتى إن أصاب.
بالفعل هناك خيط رفيع بين النية والواقع، فمثلاً إذا قولت لكِ شيئاً اعتقد أنه صحيح واكتشفنا لاحقاً أنه لم يحدث أو تخيلت شيئاً لأن ذهني كان مكدود في حينهاأو سمعت بشكل خاطئ، هل يعد هذا كذباً ؟!
في رأيي لا يعد كذباً لأن نيتي كانت الصدق
وإذا حاولت أن أخدعك بمعلومة وبالصدفة كانت هذه المعلومة الصحيحة هل أعد صادقاً مثلا شخص بخيل ولا يرغب أن يشارك طعامه مع أحد لديه بضعة برتقال، فيقول البرتقال يسبب الإسهال لأن به ألياف، معلومة صحيحة لكن المراد بها باطل .
لذا دعيني اسألك واسأل المشاركين هل الأخلاق تقاس بالفعل أم بالنوايا الطيبة ولكن تذكروا أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة وقد يرتكب أحدهم بنية حسنة عمل شرير للغاية ؟
اذا نظرنا للامر من الناحية الاخلاقية فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الاعمال بالنيات"
فلو نويت الخير و خرج الامر عن السيطرة دون نية سوء فهو عند الله لن يحسب كذنب.
لكن من ناحية نظرة الناس لنا والمجتمع ككل فلا أحد منهم يمكنه ان يرى او يشعر بنواياك، فلا خيار امامنا سوى الحكمبالفعل الذي نراه امامنا.
ليست الحقيقة فقط فيما نقوله بل أيضًا في نيتنا خلف القول
فإن ظننتِ صدقًا أن ما تقولينه صحيح ثم تبيّن أنه خاطئ فأنت لستِ كاذبة بل كنتِ صادقة في نيتك ومخدوعة في معلومتك وهذا لا يُلغي الصدق بل يدعونا إلى التثبّت والتعلّم
أما إن تعمد الإنسان الكذب لكن وافق ما قاله الحقيقة دون أن يدري فهو لم يكن صادقًا وإن صادف قوله الصواب
فالصدق لا يُقاس فقط بنتيجة الكلام بل بنقاء النية وصفاء القصد
الصدق الحقيقي يبدأ من الداخل من حرصنا على قول الحق كما نعرفه واجتناب الادّعاء والرياء حتى إن لم نملك كل الحقائق
والنية الطيبة لا تعفي من المسؤولية لكنها دومًا محل نظر ورحمة عند الله
لذلك فالسؤال الأهم ليس فقط هل كان كلامي صحيحًا بل هل كنت أمينة في قوله وهل سعيت لأن أكون صادقة لا عالمة فقط
لكن هل سيقبل العالم نيتنا الصادقة؟، كل ما يراه الناس هو النتيجة.. نتيجة افعالنا سيئة كانت ام جيدة مهما كانت نيتنا ويتم الحكم علينا بناءا على ما يرون انه" جيد" وهذا متعلق بنظرة كل شخص للعالم، لذا بعيدا عن نيتنا الخالصة كيف اثبث انني صادقة ولو كذبت؟
النية الصادقة هي أساس كل فعل طيب ومشروع ولكن الحقيقة أن العالم من حولنا لا يحكم إلا على الظواهر والنتائج التي تظهر لنا
وهذا يجعل من الصعب أحيانًا أن نثبت صدقنا من خلال الأفعال فقط خاصة إذا تعارضت النتيجة مع نيتنا
في مثل هذه الحالات تصبح المصداقية والثقة مبنية على استمرارية السلوك وأسلوب التعامل وليس فقط على موقف واحد أو قول معين
فالصدق الحقيقي يظهر مع الزمن عبر الثبات على المبادئ والشفافية والوضوح في التواصل مع الآخرين
كما أن الاعتراف بالأخطاء والشفافية في مواجهة التقصير هي من أقوى الأدلة على صدق النية والحرص على التحسين
حتى لو وقعنا في خطأ أو أخطأنا في التعبير عن الحقيقة، فإن المصداقية تُبنى على تعاملك مع المواقف التالية وعلى حرصك الدائم على الصدق والنزاهة
لذا بعيدًا عن النتيجة الظاهرة، يمكنك أن تثبتي صدقك عبر الأفعال المتكررة، النية الصافية، والالتزام بالشفافية التي تعزز ثقة من حولك بك شيئًا فشيئًا
الصدق ليس فقط قول الحقيقة بل هو أسلوب حياة تعكسه أفعالك باستمرار مهما اختلفت الظروف
قول شيء نعتقد صحته لكنه خاطئ ليس كذبًا بحد ذاته، بل هو خطأ نابع من جهل أو سوء فهم، وهذا لا يقلل من صدقنا إذا كان النية صادقة. أما أن تقول شيئًا وأنت تعلم أنك تكذب، لكنه يصادف أن يكون صحيحًا، فهذا لا يجعل الكذب صدقًا، بل هو صدفة لا تمحو نية الخداع. الصدق الحقيقي يكمن في نية قول الحقيقة والسعي لفهمها، وليس فقط في تطابق الكلام مع الواقع دون وعي أو قصد.
أري القول يُعتبر كذبًا عندما تكون النية متعمدة لخداع الآخرين، وليس فقط لعدم معرفة الحقيقة. إذا قلتِ شيئًا تعتقدينه صحيحًا لكنه خاطئ، فهذا ليس كذبًا بل خطأ غير مقصود. أما إذا أردتِ الكذب بنية التضليل، حتى وإن صادف كلامك الصدق، فالنية هنا تميز القول بأنه كذب. إذًا، الصدق والكذب يرتبطان بالنية قبل صحة الكلام.
التعليقات