أيّهما يُعَدّ الأفضل من وجهة نظركم، أن أقيس تقدّمي وإنجازاتي في الحياة من خلال مقارنتي بالآخرين وما حققوه أم من خلال مقارنة حالي بما كنت عليه في الماضي والتركيز على تطوري الشخصي؟ ولماذا؟
أيّهم أفضل: قياس تقدّمي بالحياة مقارنةً الآخرين أو مقارنةً بنفسي؟ ولماذا؟
دماغ الإنسان يجري مقارنات مع الآخرين بشكل تلقائي بإدراك وبلا إدراك, لا يمكن تغيير تركيبة وبناء الدماغ البشري, عندما يقول شخص ما أنه متوسط القامة فهذا بناء على مقارنات, عندما يقول أنه ناجح في العمل فهذا بناء على مقارنات, عندما يقول أنه يتقي الله فهذا أيضا بناء على مقارنات, نظرتنا الشخصية لذواتنا كلها تعتمد على المقارنات التلقائية مع الآخرين.
وبالتالي لا يمكن التحكم في المقارنات أو تجاهلها وإنما يمكن ترشيدها وتوجيهها, إذ يبالغ البعض في مقارناته مع الآخرين فلا ينظر إلا لمن هم أفضل منه في كل المجالات متجاهلا المقارنات التي يتفوق هو فيها, كأن يكتئب الشخص لأنه لم يحصل على المراتب الأولى في دراساته الأكاديمية أو لم يقبل لمنحة من المنح في حين هو أفضل من آلاف أو ملايين غيره لم يصلوا لهذا المستوى الأكاديمي أو يعانون الأمية حتى.
قياس الشخص لذاته بالنسبة للآخرين تم تشويه صورته على وسائل التواصل في الفترات الأخيرة، وتم تصويرها على إنها تحمل معاني الحسد أو الغيرة أو الانتقاص من الذات، وهذا من عيوب وسائل التواصل في تحريف المفاهيم.
في الحقيقة قياس الشخص لذاته بالنسبة للآخرين ليس خاطىء في كل الأحوال، فالإنسان لا يعيش منفرداُ، يمكن للإنسان قياس ذاته بالآخرين ليستفد من خبراتهم ويفهم الطرق الحميدة التي سلكوها، ويتسابق معهم في عمل الخير، ويتنافس معهم منافسة صحية، ويمد لهم يد العون ويحفزهم ويحفزوه.
لكن من أجل تكوين صورة شاملة صحيحة للإنسان عن ذاته، يجب أن يقارن نفسه بذاته أمس، وبالآخرين في نفس الظروف، وفي كل الأحوال يكون شاكراً راضياً.
بما أنني جربت كلا الأمرين، فانا أرى أن المقارنة بالآخرين تكون في كثير من الأحيان ظالمة لنا جدا. فلكي تقارن نفسك بشخص آخر لا بد أن تتأكد أنكما تتشاركان في جميع العوامل والظروف المحيطة، وهو أمر صعب جدا ولا يقوم به أحد منا. فظروفنا شئنا أم أبينا تشكل عامل مهم فيما نتمكن من تحقيقه. وبالتالي فالمقارنة الاكثر عدلا هي المقارنة الذاتية بين ما كنا عليه وما صرنا اليه
أرى أن الأغلب اتجه إلى ترجيح كفة المقارنة بالآخرين مركزين على جوانبها الإيجابية ولست أختلف معهم في ذلك، إنما شخصيًا أفضّل مقارنتي بنفسي، أولًا لأنه خيار أكثر أمانًا وانسيابية من مقارنتي بالآخرين بمعنى، أن المقارنة بالآخرين تتطلب التحلي بقدر كافٍ من السيطرة حتى لا تنجرف بنا المقارنات إلى السقوط في فخاخ الغيرة والحسد والإحباط وجلد الذات وغيرها من النتائج السلبية، بينما المقارنة بالنفس هي عملية أكثر وعيًا وأقل تطرفًا، ثانيًا، مقارنة نفسك بنفسك هي مقارنة متكاملة الأركان، فنحن لا نرى من الآخرين إلا ما يظهرونه لنا، بينما نعرف عن أنفسنا أكثر بكثير، وهذا ما يجعلنا ملمّين بكل جوانب تطوراتنا وتغيراتنا وفرصنا وظروفنا وسقطاتنا، لذلك تكون المقارنة أكثر عدلًا، بينما مقارنة أنفسنا -بسلبياتنا وإيجابياتنا- بالجانب البراق الظاهر فقط من الآخرين هو أمر حتى وإن لم نعترف بآثاره، سيظهر على هيئة إحباط وزعزعة للثقة بالنفس بمرور الوقت.
أفضّل أن أقارن كتاباتي الحالية بكتاباتي السابقة عوضًا عن مقارنتها بكُتّاب آخرين، الجدير بالذكر أنه حتى المقارنات التي نعقدها مع من هم أقل منّا قد تعود بأثر سلبي علينا وتوقعنا في فخ الغرور والتكاسل عن السعي للتطوير بحجة أننا في مكانة أفضل ولسنا بحاجة للتقدم، هل سبق ومررت بهذه الحالة؟
إضافة إلى ما قاله الزملاء أود أن ألقي بتجربتي الشخصية في هذا الأمر. فعندما كنت صغيراً، كانت والدتي تقيمني على أساس مقارنتي بأقربائي في نفي سنيَ الدراسة. هي لا تعي إلا أننا نديدان صنوان في العمر وفي المرحلة الدراسية فلمَ لا أفلح مثل ما فلح ولا أحصل على درجات قدر ما حصل؟!! لم تكن تعلم أن هناك متغيرات أخرى في الموضوع غير هذين المتغيرين! كانت ثمة فوارق في الظروف جميعها فلم تلتفت إلا إلى العمر والمدرسة الواحدة! كنت انطوائي وكان انبساطي بحكم أنهكان يخرج مع أبيه إلى محل لهم ويبيع ويشتري ولم يكن لي ذلك وكان له أعمام يعينونه ولم يكن لي مثل ذلك إلا لاحقاً. حتى طبيعة التربية بين الوالدتنين كانت تختلف؛ فوالدته كانت رفيقة به نوعاً ما و والدتي كانت شديدة الطبع معي! ما أريد أن أقوله أن مقارنتنا بغيرنا ظلم كبير لنا وأن أقارن نفسي اليوم بنفسي الأمس هو أسلم وسيلة لمعرفة ما إذا كنت أتقدم أم لا؛ لأن المتغيرات واحدة وأنا المتحكم.
من وجهة نظري، مقارنة تقدمي في الحياة بنفسي أفضل بكثير من مقارنة نفسي بالآخرين. عندما أقارن نفسي بالآخرين، قد أضع نفسي في إطار قد لا يعكس واقعي أو ظروف حياتي، مما قد يسبب إحباطًا أو شعورًا بالتقصير. أما مقارنة تقدمي بما كنت عليه في الماضي، فإنني أستطيع رؤية تطوري الحقيقي وتقدمي الفعلي بغض النظر عن العوامل الخارجية.
المقارنة مع النفس تمنحني فرصة للاحتفال بما حققته وتقدير الجهود التي بذلتها في مختلف جوانب حياتي. كما أن التركيز على تطوري الشخصي يعزز الثقة بالنفس ويحفزني للاستمرار في السعي نحو أهدافي بعيدًا عن الضغوط أو التوقعات المجتمعية. في النهاية، النجاح هو في تقدمي الشخصي وليس في مقارنة حياتي بحياة الآخرين.
أفضل أن أقيس تقدمي وإنجازاتي في الحياة من خلال مقارنة حالي بما كنت عليه في الماضي. لأن التقدم الشخصي هو عملية مستمرة، وكل فرد يواجه تحديات وظروفًا مختلفة. مقارنة نفسي بما كنت عليه في الماضي تمنحني منظورًا أوسع لمدى تطوري في المهارات والمعرفة وكيف أتعامل مع الظروف الحالية. هذا النوع من التقييم يسلط الضوء على التحسن الداخلي بدلاً من ملاحقة معايير اجتماعية أو خارجية قد لا تكون عادلة أو ملائمة لي.
أما مقارنة نفسي بالآخرين فقد تكون مضللة أحيانًا، لأنها قد تجعلني أرى إنجازاتهم من زاوية واحدة أو تركز على نقاط القوة لديهم، بينما قد أغفل عن التحديات التي قد يواجهونها أو العوامل التي جعلتهم يصلون إلى تلك النقاط. هذا يمكن أن يؤدي إلى الضغط النفسي أو فقدان الدافع إذا لم أتمكن من الوصول إلى نفس المستوى بسرعة.
كيف يمكن أن تساعدنا مقارنة أنفسنا بماضينا الشخصي في تحسين أدائنا وتحديد أهداف أكثر واقعية؟"
التعليقات