تخيّل معي أنّهُ أتيح لك فرصة أن تنتقل مباشرةً إلى عام 2040 مباشرةًَ! وبعد أن وصلت إلى هذا الزمن لديك القدرة على القيام فقط ببحث غوغل واحد، معك ربع ساعة فقط وبحث غوغل واحد، عن ماذا عندها ستبحث أو تسأل؟
إذا أُتيحَ لك أن تنتقل مباشرةً لربع ساعة إلى عام 2040، ولديك القدرة على القيام ببحث غوغل واحد، عن ماذا ستبحث أو تسأل؟
عن مطعم آكل فيه وجبة مشويات دسمة، فلن أكترث كثيرًا بما آل إليه العالم، فالتاريخ يعيد نفسه والعالم مجنون منذ آدم، لذلك سأركز على البحث عن مطعم قريب مني أستمتع فيه بالطعام.
حتى ولو عاد نفسه، هل هو يعيد نفسه ضمن حياتك؟ ما يعني أنّ حتى الإعادة سوف تكون جديدة بالنسبة لكِ، حياتك قبل 10 سنوات بالضبط كانت مختلفة كل الاختلاف وبشكل جذري تفكيراً ووضعاً وتكنولوجياً ومدنياً وترفيهياً عن الآن، كل هذا صار ب 10 سنوات فقط، فما بالك بعد عشرين سنة وبهذا التطوّر السريع المتواتر الذي نعيشه حالياً، حيث صارت السنة تعطي فرق وربما في السنة القادمة سيكون الشهر يعطي تغييراً ملحوظاً للحياة من حولنا. أعتقد أنّكِ تهدرين فرصة دهشتك بهذا البحث الصراحة.
وبعد أن وصلت إلى هذا الزمن لديك القدرة على القيام فقط ببحث غوغل واحد، معك ربع ساعة فقط وبحث غوغل واحد، عن ماذا عندها ستبحث أو تسأل؟
بما أنه وحي الخيال فسأطلق العنان لمخيلتي لتسافر بي إلى عام 2040، حسنا، حينها سيكون في عمري أربعون سنة بالتمام والكمال، أي أنّني إن سارت الأمور على أحسن ما يرام فسأكون متزوجا وأبا لأطفال، بما أنه أتيحت لي الفرصة للبحث عبر غوغل، ففي هذا العام بالتحديد ونظرا للتطور الكبير الحاصل في الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث، سأفترض أنه محرك البحث غوغل بلغ مرحلة متطورة في هذا المجال، فسأقوم بوضع معرّف ال ID الخاص بي في محرك البحث ليقوم المحرّك بالبحث عن جميع الأشياء التي وقعت لي طيلة السبعة عشر سنة التي قضت، سأعرف إن كنت سأموت أم لا، إن كان لدي أولاد، ما الذي حصل لحياتي، دراستي، مشاريعي، والعديد من الأمور المثيرة.
ففي الظاهر هي عملية بحث غوغل واحدة لكن مع التطور الكبير الذي قد يحصل، ربما يمكننا البحث عن كل شيء يخصنا عبر ال id فقط، لكن يستلزم ذلك أن تستحوذ غوغل على جميع خصوصياتنا، في رأيي أنها تفعل ذلك حقا، وتعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، فقط في السر لا العلن.
سأعرف إن كنت سأموت أم لا، إن كان لدي أولاد، ما الذي حصل لحياتي، دراستي، مشاريعي،..
يا إلهي ما هذا البحث يا محمد!
كيف ستستمر بحياتك بعد العودة، وبعد معرفة ما سيصيبك مسبقا، عن نفسي لو عرفت تلك المعلومات، فسأفقد دوافعي وشغفي، وسيزداد قلقي، وبالطبع لن أسعى لتحقيق شيء ما دمت لن أناله، أو سأموت قريبا!!
ولكن ربما تنظر أنت لمعرفة المستقبل بطريقة إيجابية أكثر مني..
يا إلهي ما هذا البحث يا محمد!
ربما هي لمسات إبداعية واتتني على حين غرة، حينما أطلقت خيالي بعيدا!
صراحة سيكون الإستمرار في ذلك الأمر صعبا للغاية في حالة حدوثه، لكننا نفترض سيناريوهات لا يمكنها أن تحدث في الحقيقة لذلك أحب أن أكون متفائلا بشأنها، فما الفائدة إذا من الإكتئاب من شيء لا يمكنه أن يحدث، فحياتنا محكومة بمفهوم القضاء والقدر، والحمد لله على نعمة الستر ونعمة الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى وإلا لكانت حياتنا شيئا آخر تماما.
ونعمة الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى وإلا لكانت حياتنا شيئا آخر تماما.
هي نعمة بالفعل، فجهلنا ببعض الأشياء يكن أكثر نفعا من علمنا بها..
فمثلا شاهدت فيلم خيال علمي لا أذكر إسمه، كان يفترض إمتلاك كل إنسان لعداد تنازلي بيده يظهر له ما تبقى من عمره، وهو ما مثل قلقا دائما لشخصيات الفيلم عند محاولتهم الاستمرار بحياتهم!
أحب طريقة تفكيرك، حيث تريد الاستفادة من هذا البحث ليتمحور حول معرفة خاصة بك وغير مهتم أبداً بما يمكن أن يُدهش ويمتع في العالم إذا عرفته، متعتك واهتمامك مصبوب على نفسك، على أنني أخالفك بهذه النظرة، أشعر بأنّ معرفتي هذه ستقوّض من متعة حياتي، متعة حياتي بالمجهول وكشفه رويداً رويداً، إذا علمت المستقبل ولو احتمالاً، أي ليس بشكل مؤكّد سأفقد قدرتي على الاستمرارية بذات الشغف.
ذلك مقصدي، بأنه مهما حدث في العالم من تغير أو طرأ على الناس تغيرات معينة فعلى المرء أن يهتم بنفسه، وأن يعرف كيف يصوبها للأحسن، هذا مجرد خيال، وتخيلات عابرة، ولا يمكن للمرء أن يعرف ولو ما سيحدث بعد ثانية واحدة من الآن فما بالك بعقد من الزمن، لذلك إرتأيت أن أفكر بهذه الطريقة، ولو كانت ستحدث حقا لما فكرت فيها أبدا وسأكتشف حياتي رويدا مرويدا مثلك بالضبط.
فعلى المرء أن يهتم بنفسه
تبدو هذه الاستراتيجية دائماً الأفضل من حيث النتائج، ففي الكتب المقدّسة كلمة "عليكم أنفسكم" تُكرر كثيراً وحتى في المواطنة والعمل المجتمعي أذكر أنني قرأت قول للنيكولن رئيس الولايات المتحدة قديماً يقول: المواطن الجيد هو المواطن الذي يهتم بنفسه ويعيل نفسه وفقط - وحتى أيام المدرسة والجامعة ذات الأمر، هذه أفضل استراتيجية لعيش الماضي والحاضر والمستقبل.
بهذه الحركة ستصبح البليونير وربما أغنى أغنياء عصرك، هذه المعرفة تعد ذهباً أصيلاً فعلاً، لكن أعتقد بأنّها نظرة مادية للزمن، لا أرتاح لمثل هذه العقلية، هنا لا أتحدّث عن حضرتك، بل بالعموم، أشعر أنّ هذه النظرة للحياة على أنّ المال أولوية أولوياتنا قدر تفقدنا ربما في لحظة من اللحظات كل ما نملك من دافع للاستمرار، المعنى ضعيف جداً إذا علّقناه على المال، الحياة سيئة جداً إن كانت أولوية أولوياتنا دائماً، سيئة وسخيفة.
إذا نظرنا إلى السفر عبر الزمن بنظرة واقعية، فالمشكلة لا تكمن فقط في ما تريد معرفته، ولكن فيما سوف تعرفه. إن مجرد التفكير في السفر عبر الزمن قد يتسبب بأزمة وجودية، فما بالك بتطبيق هذا المفهوم؟ سوف يرجع المسافر إما مكتئبًا أو مجنونًا، فظلام المستقبل وضبابيته هو ما يدفع فضولنا للإستمرار حتى نعرف ماذا يكمن خلف هذا الضباب، فإذا انقشع ورأينا كل شيء أمامنا، ما الفائدة من التقدم؟ مهما حدث عند رجوعك من المستقبل، سوف تدفعك ظروف الحياة نحو الأسوأ حتى تستخدم معرفتك المستقبلية لتدعم أهدافك الشخصية.
ولكنك محق تمامًا، هذا ليس تبريرا للنظرة المادية. النظر إلى الحياة بمادية هي أسرع طريقة لتعمية البصيرة، إذا كان المال ضرورة من ضرورات الحياة فهذا لا يعني أنه أولوية، ولكنه مجرد سبب.
سأبحث مباشرة عن بروفايلي على فايسبوك من خلال غوغل إذا كان ما يزال موجودا. سأطّلع إن كنت لا أزال حيّة أم أنّه كُتِب على بروفايلي Remembering .... لا أعتقد أنّه مع هذه الفرصة العظيمة لرؤية المستقبل سأهتم لأي أمر آخر.
الوجود، باختصار أنّ أكثر ما يعنيك فعلاً في الحياة وجودك الشخصي، حيّزك المادي من الحياة، أي أنّ الحياة تفقد معناها برأيك إذا لم تكوني موجودة فيها، ولذلك لا داعي أن تبحثي عن أي شيء إذا لم تكوني موجودة، أبحث عن وجودي، وبعد ذلك أعود لاهتمامي، أعتقد أنّ هذا النوع من الأسئلة يخبرنا الكثير عن الشخص عبر إجابته، حيث أنني لم أتفطّن إلى مسألة وجودي من عدمه حين خطر لي السؤال وأجبت عنه.
إن كان ولابد من ضياع وقتي على جوجل بعام 2040 أيضا، فسأجري مكالمة ڤيديو مع عائلتي لرؤية التغيرات التي طرأت على كل منا، وان كنت أظنأن 17 عام ليست بالفترة الطويلة جدا.
ان كنت أظنأن 17 عام ليست بالفترة الطويلة جدا
بل فترة برأيي أكثر من طويلة، قبل 17 مثلاً لم نكن نملك كل حياتنا الحالية، لم يكن هناك موبايل، أي حتى فكرة التواصل مستحيلة بهذه الطريقة، كان التواصل هاتفياً محلياً، ولم يكن هناك كمبيوتر ولا انترنت واسع الانتشار جداً وبالتالي لا فرصة للعمل الحر، لم يكن هناك وسائل ترفيه تلفزيونية كاليوم وفرص وانفتاح عالمي، معظم البلدان تغيّرت إقتصادياً وهناك دول خرجت من العدم فيها، كالإمارات مثلاً الذي بزغ ضوءها جداً مطلع ال 2005 وما بعد. والكثير من الاشياء الأخرى، واليوم مع التواتر الاسرع بالتطوّر فال 17 عام صارت رقماً هائلاً بالنسبة للتطور وتغير الحياة.
سأسأله عن الأمور التي لن نتذكرها بعد هذا العدد من السنوات، حتى أعود إلى الماضي ولا أشغل عقلي بها وأرميها لأنها لن تؤثر عليّ مستقبلًا.
منذ مدّة قريبة كان فيروس يهدد العالم، وكنا نظن أنها النهاية وأننا سنلقى حتفنا، ولكن الآن وبعد سنوات ونحن بالكاد نتذكره، وانشغلنا بحرب روسيا وأوكرانيا ثم تركنا ذلك وانتقلنا إلى القلق بشأن الاقتصاد العالمي، تعلمت أن المحن تمر، وتأتي غيرها لننشغل بها وهكذا. ولكن من الأفضل ألا نجعل كل محنة تأخذ من أرواحنا إلى أن تُزاح وتجعلنا تحت وطأة الخوف الزائد.
سأسأله عن الأمور التي لن نتذكرها بعد هذا العدد من السنوات
من أغرب الأفكار التي طُرحت للصراحة، أن يسأل الإنسان عن ماضيه الذي بالمستقبل! أشعر وكأنني الأن أحلل فيلم لكريستوفر نولان، المخرج الشهير صاحب أفلام inception وinterstellar المشهورين بتعقيدهم، للصراحة جذابة هذه الفكرة، ولكن برأيي غير مفيدة، برأيي ستُبطل معنى الحياة وجمالها، ما الحياة بدون حزن يتبع فرح وخوف يتبعه أمن وفشل يتبعه نجاح؟ قد يكون كلاماً إنشائياً ولكنهُ برأيي فعلاً يجسّد الحياة، جمال الحياة بتناقضاتها وعدم معرفتنا لتناقضات المجهول أصلاً.
اريد فقط ان اعرف إن كنت ميتاً كيف مت، هل حصلت على حسن الخاتمة ام لا
حسن الخاتمة هي من أسوء المفاهيم التي دخلت مجتمعنا برأيي ودمّرته أخلاقياً وسلوكياً، لا أتكلّم هنا عن حضرتك بل أناقش حضرتك في هذا المفهوم، حيث يراه كل الناس بهذه الطريقة، حسن الختام = أفعل ما تشاء ولكن أحرص على أن تموت بعمل صالح أو بطريقة صالحة - الكل يرى هذا الأمر بهذه الطريقة سواء بطريقة واعية أو غير واعية ويعيش بها، ولذلك أنصح نفسي دائماً بأنّ نعيش حسن الحياة دائماً بكل لحظة وسيأتي حسن الختام بهذا بكل تأكيد، سواء بنهاية جسدية رحيمة بدون مرض أو بدون أفعال لا أخلاقية.
إذا أتيحت لي هذه الفرصة فلا أود أن أبحث عن شيء يشعرني بالندم بل سأبحث عن شيء يجعلني أتطلع للمستقبل.
فمثلا لماذا يتمنى الناس أن يعودوا بالزمن ; ذلك ليتخذوا قرارات كانت لتقلب حياتهم. لذلك اعتقد أني سأبحث عن الأسهم التي ارتفعت بشكل غير طبيعي لأستثمر بها أو أرى منتجات من المستقبل تهيمن على السوق لأكون أول من يصنعها.
حين قلت المستقبل توقّعت أنّك ستأتي بجديد فعلاً، ولكنك عدت كباقي الأصدقاء إلى مسألة رؤية المستقبل على أنّه الأسهم والمال، ما الذي يجعلنا فعلاً نرغب بهذا الثراء الشديد في حياتنا؟ ما المشكلة في حياة عادية طبيعية؟ وبهذه العقلية مثلاً سيكون سؤالك مختلفاً، ربما قد تسأل عن الحال المجتمعي لثقفاتنا العربية، الحال الصحي لبلداننا، والحال الصحي في العالم والأمور الغريبة أيضاً والتغييرات الاجتماعية والتكنولوجية، أي ستفتح العنان على الفضول لا على الرغبة بالمزيد، هذه ليست ملامة لحضرتك، بالعكس، نقاش أتطلّع به أن أعرف لماذا دائماً لديناً أولوية الأولويات أن نصبح أثرياء، ما المشكلة بالحياة العادية؟!
التعليقات