أراقب يومياً التطوّرات الحاصلة في هذا الميدان العلمي الذي يثبت يومياً أنّهُ الأكثر الإثارة في حدود ما يمكن أن يصنعه ويغيّره، بحسب معرفتك الحالية وعلمك بموضوع الهندسة الجينية وأخبارها الذي لا بد أنّك قد واجهت الكثير منها قبل الأن، برأيك علم الهندسة الجينيّة لعنة أم نعمة يُمكننا التطوّر بها؟
برأيك علم الهندسة الجينيّة لعنة أم نعمة يُمكننا التطوّر بها؟
لا هي لعنة أو نعمة في ذاتها بل بطريقة توظيفنا لها. فالسكينة محايدة تماماً وإنما نحن بني البشر من نضفي عليها هذه الصفة أو تلك. وكذلك هي في الغرب ليس فيها كبير مشاكل لأنً الوازع الأخلاقي الذي يتملكنا نحن كعرب تجاهها غيره عندهم. فهم قد تحللوا إلا قليلاً من كل تلك القيود التي تمنع و تسمح. لا أحب ما تستخدم فيه تلك الهندسة من تعديل مثلاً شعر الجنين أو خصائص ميعنة في تكوينه. لا أحب تلك التدخلات الفجةً ولكن قد يكون من الصالح استعمالها تقنياتها في اكتشاف الأمراض منذ بزوغها ومعالجتها.
لا هي لعنة أو نعمة في ذاتها بل بطريقة توظيفنا لها.
هذا تماماً ما أتحدّث عنه، إذا اقتربت حضرتك أكثر من المشهد سوف تشهد على الكثير من التجارب والمشاريع التي لا يمكن أن تخطر لك نهائياً، هذا الأمر فتح الباب على مصراعيه للتجريب المستمرّ ولا بد أن يفتح باباً للكوارث في مقبل الأيام كما فتحت مثلاً معادلة الطاقة لاينشتاين ذلك، كانت قانوناً يخصّ الطاقة العظمى والأكثر كفاءة وكان المقرر استخدامها في الكثير من المشاريع التي تعدّ نعمة حقيقية على الكوكب إلى أن صنعوا بذات المعادلة أكبر النقم البشرية على الإطلاق، القنابل الذرية وخلافه من أدوات التدمير الشامل.
نحن من نحدد لعنتها من نقمتها، وذاتنا من يخرد طالحها من صالحها، وذاتنا من يوجهها للمسار المارد. فعلم الهندسة الجينية هو علم يتيح للبشر التحكم في الوراثة وتعديلها بطريقة متعمقة. ومن الممكن استخدام هذا العلم لتحسين الصحة وعلاج الأمراض الوراثية، وزيادة إنتاجية المحاصيل وتحسينها، وحل مشاكل البيئة والتنمية المستدامة. ومع ذلك، هناك أيضًا قلق واسع النطاق حيال الاستخدام الخاطئ لهذا العلم، وما يمكن أن يترتب عنه من تأثيرات غير مرغوبة على الصحة العامة والبيئة والأخلاقيات. فقد تشمل هذه التأثيرات العديد من المخاطر، مثل ظهور مخلوقات وراثية جديدة غير مرغوب فيها، وتفاقم الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية، والآثار الطويلة الأجل على الصحة والبيئة.
نحن من نحدد لعنتها من نقمتها
هذه مصيبة هذه الأمور الجلل التي تدخل عالمنا المعاصر برأيي في السنوات الأخيرة، وهي أننا نحن فعلاً من نحدد كيفية الاستخدام وبالغالب إن تُرك الخيار لنا فسنختار أموراً لن تكون ولن تخلّف إلا الكثير من المال أو الكثير من الضرر، أو الاثنين معاً، تماماً كما نرى حالياً من تطوّرات في مواضيع ومشاريع الـ AI والتطلّعات الأخيرة لاستخداماته، مباشرةً استفاد الناس من ذلك لتزييف الأصوات وصنع الجرائم!
لا يمكن الا ان نعد الهندسة الوراثية معجرة علمية حقيقية فقط حققت ما عجرت الكثير من العلوم عن تحقيقه لالاف السنوات، اذا انا ان نفهم هل فعلا الهندسة الوراثية جيدة ام سيئة يجب ان نحدد اولا ما معيار الحكم عليها؟
اذا كان معيار الحكم هو العلم نفسه، فلايمكن ان ننكر انها من اهم ما نتجه البشر، لكن اذا كان المعيار هو الاخلاق والانسانية فهنا علينا الوقوف والتفكير مليا، حول الكثير من المسائل.
من هذه المسائل مثلا، اي صراع بين الاخلاق وانتاجات هذا العلم، ولنقل مثلا قضية الخلود باستعمال التحسين الجيني وهي اخر قضية طرحت للنقاش في السنوات الاخيرة، ما مدى اخلاقية فكرة اللاموت او فكرة البقاء للابد قي زمن محدود مثلا.
هنا سيكون لذينا مشكل وهو: من هي الاخلاق التي ستناقش في هذه المسالة؟ ومن هو المصدر الاساسي للأخلاق اصلا؟ ولماذا علينا ان نحتكم الى الاخلاق مادام لذينا العقل كفاصل وحاكم في الامر؟
في جميع النقاشات الاخلاقية حول العلم والهندسة الوراثة بالتحديد ، يتجه معظم المناقشين الى الاعتداد بالاخلاق الدينية كمتحدث رسمي عن الاخلاق، ما يجعل اي نقاش من هذا النوع يصبح نقاشا دينيا بالدرجة الاولى ويتم دحضه ثم اهماله في مرحلة ما .... ثم يعود بعد فترة ليتقبل الواقع على مضدد، وبعدها الادعاء من جديد بأن الدين هو من دعى الى ذلك اول مرة ...
الامر يحدث طول الوقت .
التطور الناتج عن الهندسة الوراثية والعلم هو حقيقة لا يكذبها احد، لكن المشكلة كلها في طريقة نظرتنا الى هذا التطور انطلاقا من اداة الحكم الاي ننطلق منها، فإذا كنت تعتقد ان حذف جين مسؤول عن مرض خطير هو تطور هائل ومعجزة انسانية حقيقية، ستعتبره طائفة دينية ما انه تغيير لخلق الله .
حتى بالنسبة للتطورات التي تبدو ضارة فعلا ... نعم جيدا ان ضررها مؤقت ، لسبب واحد ان العلم ينقذ ذاته بواسطة الفلسفة والفكر دوما ويحاول ايجاد.حلول للمشاكل التي يسببها ، فهو في حد ذاته يتطور لاجل العلم نفسه ولاجل الانسان، وليس كما يهيل للبعض ان العلم سوف يدمر الكرة الارضية بتطوره غير المدروس ... على العكس من ذلك العلم يدرس خطواته بجدية ويطورها مع الوقت، ولنعطي مثالا بالسجائر مثلا، في ستتيات وسبيعنيات القرن الماضي ظهرت حركة غزيرة جدا لصناعة التبغ، بعدعا بفترة وجيزة ظهرت بعض الاصوات الاي تتادي بيقاف هذه التجارة وظهرت اوراق بحثية تثبت ان التبغ غير مضر بل وطور العلم نفسه ادوات لازدهار هذه التجارة، لكن بعد سنوات راجع العلم نفسه ووقف ضدها قي النهاية وانتصر لحقيقة ان التبغ مضر ويجب محاربته ووضع حلول فعليه لذلك.
فإذا كنت تعتقد ان حذف جين مسؤول عن مرض خطير هو تطور هائل ومعجزة انسانية حقيقية، ستعتبره طائفة دينية ما انه تغيير لخلق الله
لا يهمّني في الحقيقة أن تعتبره أقلية ما غير أخلاقياً سواء كانت أقلية دينية أو غير دينية، المسألة عندي في الاحتمالات، ماذا لو مثلاً استطاع البشر تطوير جين قادر على منحهم قدرة اختيار جنس المولود، ألا يعتبر هذا الأمر كارثياً في مناطق لا تعتدّ إلا مثلاً بسلطة الذكور؟ أضرب مثالاً اعتباطياً الأن ولكن في غرض فهم فكرتي، في أنّهُ لو نجحوا مثلاً في تحويل كلامي إلى حقيقة قد تصير الهندسة الاجتماعية بما عليها ربما نقمة على الكثير من الدول.
ماذا لو مثلاً استطاع البشر تطوير جين قادر على منحهم قدرة اختيار جنس المولود،
الهندسة الوراثية تمكنت من فعل هذا حقا، الان بامكانك اختيار جنس مولودك وكل صفاته الجسمانية مثل لون الشعر ولون البشرة والطول وحتى التحكم في صفاته النفسية كأن يكون ميالا للفن أو للرياضة او الحساب ..الخ اصبح الاباء اليوم قادرين على صناعة مولودهم حرفيا، لم تطبق هذه العملية على نطاق واعي لكنها ستتوسع في وقت قادم....واتفق معك الامر خطر وحرج للغاية اذا لم يتم التحكم فيه قانوينا .
واتفق معك الامر خطر وحرج للغاية اذا لم يتم التحكم فيه قانونياً
وهذا بالضبط أنا ما يخيفني بالمسألة الأوروبية على الأقل في مسألة علاج الأمور، فهم لديهم حساسيات أكثر من عالية في المواضيع المبنية على الجندر وقد يسمحون بذلك بكل مفتوحية لكل الناس دون أن يعوا المخاطر الحقيقية التي يفرضها هذا الأمر، مثل تماماً ما أدخلوا هذا الأمر إلى السينما مثلاً وجوائز الأوسكار فصار الناس خلال السنوات الأخيرة يلاحظون ضرر السينما والتلفزيون بسبب حساسية البلاد الأوروبية في مواضيع الجندر وتطبيقها للكثير من الأمور غصباً كشرط للنجاح.
إن علم الهندسة الجينية والوراثية هو من العلوم التي أضافت الكثير من النفع للبشرية، ورغم أن كم المعرفة الحالي في هذا العلم لا يغدو نقطة في بحر من فك جميع الخرائط الجينية لكل شيء بداخلنا وحولنا وإمكانية التعديل فيها، فإن ما توصل إليه العلماء في تطوير سلالات النباتات والحيوانات عبر الانتقاء الوراثي قد أضاف الكثير من النفع للبشرية، وربما في المستقبل قد يتمكن العلماء من اكتشاف المزيد من الجينات المسببة للأمراض وتعديلها لتفادي الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة وغير القابلة للعلاج، مما سيحقق خدمة جليلة للبشرية أيضاً.
المعضلة الوحيدة في الموضوع والتي ستسبب جدلاً هائلاً ونزاعات ربما تصل لشن الحروب، هي المعضلة الأخلاقية والدينية لتطبيق هذا العلم على البشر بالأخص، كمثل قضية الاستنساخ وتعديل خلق الله والتدخل في شئونه في خلقه باختيار نوع الجنين مثلاً أو عدد الأجنة، فهذه من القضايا الحساسة للغاية وربما تشكل عائقاً لتطور هذا العلم في العديد من البلدان.
وربما في المستقبل قد يتمكن العلماء من اكتشاف المزيد من الجينات المسببة للأمراض وتعديلها لتفادي الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة
أخاف المسألة في الحقيقة عندما أنظر إلى نقيضها، إلى أن يصلوا البشر لتعديل الهندسة الجينية لا من أجل اكتشاف المزيد من مسببات الأمراض وعلاجها بل من أجل تعديل صفات وراثية مثلاً أو التعديل على البنيان أصلاً بكلّه حتى ولو لم يكن يحتاج هذا والأفظع أن تتم هكذا مشاريع على نطاق واسع.
التعليقات