برأيكم هل تعتقدون أن الضغوط الاجتماعية والمادية التي يواجهها الأفراد في حياتهم اليومية يمكن أن تكون محفز ودافع لتعزيز الإبداع وتحقيق النجاح، أم أنها على العكس من ذلك قد تشكل عائق وتحدي يقيّد القدرات ويمنع من الوصول إلى الأهداف؟
برأيك الضغوط الاجتماعية والمادية تعزز الإبداع والنجاح أم تقيّدهما؟ ولماذا؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن ننظر للواقع وإحصائياته, ما نسبة المبدعين في الأوساط الاجتماعية المزرية الفقيرة؟ وما نسبتها في الأوساط الاجتماعية المستقرة الجيدة الدخل؟ سنجد الإجابة واضحة المعالم.
لننظر للمبدعين المخترعين الناجحين حول العالم على مر العصور, كم نسبة من عاش أوضاعا بائسة بالمقارنة مع من عاش أوضاعا جيدة؟ والد أينشتاين كان صاحب شركة كهرباء ونال صفقات إضاءة المدن والمهرجانات وأدخل ابنه أفضل المدارس...بيتهوفن كان والده موسيقيا مشهورا وعلمه الموسيقى وخصص له عدة مدرسين للموسيقى في حياته, الأمر ذاته لموزارت والده رئيس اوركسترا موسيقية... الرسام بيكاسو استأجر والده له ورشة لتعلم الرسم وقد كان والده ذات نفسه رساما...في عصرنا الحالي مارك زوكربيرغ وُلد لأسرة غنية, فوالداه طبيبين بأمريكا, ونحن نعرف ما معنى طبيب في أمريكا...إلون ماسك ولد في جنوب افريقيا لأسرة بيضاء غنية ودرس في المدارس الخاصة وكان يملك حاسوبا في طفولته قبل عقود من الآن عندما كان الحاسب ترفا, وسافر لإكمال دراسته بأمريكا والدراسة بأمريكا ليست مجانية مطلقا, هل كان سيحقق شيئا لو كان جنوب افريقي أسود من أسرة فقيرة؟ طبعا لا لأننا لا نعرف واحدا أصلا!
أوبرا وينفري هي أفريقية أمريكية نشأت في أسرة فقيرة في ولاية ميسيسيبي، وكانت تعاني من ظروف صعبة، لكنها أصبحت واحدة من أشهر الشخصيات الإعلامية في العالم، وهناك أيضاً باراك أوباما ومايكل جوردان لاعب كرة السلة الشهير، ما أحاول أن أسوقه هو أمثلة مضادة لما ذكرت، حتى نتفكّر فعلاً، في أن أي بيئة ولّادة أكثر للنجاح
لقد قلت أن علينا النظر للنسبة العامة والإحصاءات! بالتأكيد توجد نماذج ناجحة انبثقت من رحم المعاناة.
أكتب كل الشخصيات المبدعة التي تعرفها وانظر لحياتها مقارنة بالحياة بعصرها وحدد النسبة ستجد النسبة الغالبة لمن عاش حياة مستقرة وخصص له أهله الموارد لتدريسه وصقل موهبته.
بالنسبة للنماذج التي وضعتها فبعضها لا علاقة له بالابداع كما أفهمه! فباراك أوباما سياسي, والسياسة تحتوي كل فئات المجتمع من أغنياء وفقراء وحتى خارجين من السجون, كما أن أوباما لم يعش المعاناة, العكس تماما أمه دكتورة عالمةانثروبولوجيا وعملت في العديد من المناصب السياسية والاقتصادية, وباراك أوباما قال بنفسه أن لأمه الفضل في تحديد هويته. مايكل جوردن رياضي والأغلبية الساحقة من الرياضيين خصوصا الألعاب الجماعية هم من أوساط فقيرة, مثلا أغلب لاعبي كرة القدم الناجحين من أبناء المهاجرين أو من دول نامية وأحياء فقيرة, لأنها تعتمد على القدرات الجسدية وليس الابداع الفكري.
عن نفسي أرى أنها قد تحفز على النجاح لكن ليس على الإبداع.
فضغوط مثل هذه تجعل صاحبها يبذل كامل جهده ليهرب من الحاجة والضيق ولو نجح في ذلك فسيكون من الصعب أن تضعه الحياة في ضغط آخر لأنه سيكون أكثر حرصاً من غيره.
أما مسألة الابداع فهي تحتاج لصفاء ذهن واستقرار ولا أظن أن الموضوع في ضغط يمتلك منهم حتى صفة.
فسيكون من الصعب أن تضعه الحياة في ضغط آخر لأنه سيكون أكثر حرصاً من غيره
ليس دائماً، أحياناً للأسف نرى أن نتيجة الأمر تذهب به للنقيض في التطرف ضمن الضفة المقابلة، يعني مثلاً لنعتبر أن هناك شخص فقير بطفولته صار غني حين يكبر، أنا برأيي احتمالية تكوين عادة البخل أمر كبير بسبب ما رأى سابقاً من عذابات لا يريد أن يعود لها نهائياٍ بحياتهم.
هذا يتوقف على استجابة كل شخص لهذه الضغوط وقوة شخصيته في التحمل والتكييف، ليس فقط هناك فروق بين البشر في ذلك ولكن أيضا الفروق تظهر لدى الفرد منا حسب تغير الحالة الخاصة بنا والتغيرات التي تمر بها شخصيتنا فتارة نكون أقوياء وتارة ضعفاء وبين هذا وذاك تتغير استجابتنا للضغوط فتارة ننجح ونصل لاهدافنا وتارة نفشل.
ولكن هذا الجواب برأيي يقودني إلى سؤال أحب أن أسألك إياه، يعني هل تؤمن أنت أن هناك بعض الشخصيات التي إذا ما ولدنا عليها ضغط سلبي يمكن أن تفشل وبعض الشخصيات الاخرى قد تنجح؟ وأن منهم قد نولّد معهم الايجابي من الأمور وقد يفشلوا؟
بالطبع أرى ذلك، لا توجد ثوابت مع البشر، يمكن ان تفقد قريب لك وتكون منهار وبعد فترة تفقد قريب لك أعز منه متماسك
كيف تفسر هذا التغير الكبير الذي يبدوا غير طبيعي؟!
التغيُّر في الاستجابة برأيي مرتبطة بعوامل نفسية وزمنية، يعني الصدمة القوية بالحالة التي ذكرتها قد تكون فقط لإنها أول تجربة له في فقدان شخص مهم، مما يجعل حدة الألم والانهيار أعلى، مع تكرار العملية تصبح أسهل، وهناك أيضاً عنصر المفاجأة بالتوقيت وغيره من التراكمات بالآلام في توقيتات متقاربة، ما أقصده أن للأمر عوامل كثيرة تحدد هذه الاختلافات بردود الأفعال.
الفقر يعصر المرء فلو داخله عقلانية ستجده مفكر ولو بداخله فن ستجده مؤثر وعظيم ولو بداخله انحراف فهو مجرم لا محالة ؟!
تماماً كقطعة القماش المبتلة بشئ ما عندما تعصرها ستخرج ما بها لمحيطها، وهكذا أرى الإنسان عندما تحصاره الضغوط ولا يجد متنفس أو راحة.
وعن نفسي لم أقتنع أبدا بفكرة أن العبقرية والذكاء والإبداع والابتكار للأغنياء فقط، أرى هذه نظرة عنصرية، وأؤمن أن ابن الفقر إذا ما صنع نفسه سيكون صنعه أقوى من غيره لأنه مصنوع بتعب وشقاء ومحاولات لا بمال بابي وعلاقات مامي.
ولا يعني هذا أنني حاقد على الأغنياء أو على طبقة ما، ولكن تزعجني محاولاتهم المستمرة لاستغلال المال لتحقيق إنجازات ولله معظمها وهمي وبالتالي تنقص الفرص ويصعب الأمر على ابن عاصفة الفقر وبيئة الضغوط.
أنا باعتقادي أن الأمر هنا أحب أن اشبهه بعد قرائتي لكلامك بين سباق الأرنب والسلحفاة، برأيي أن ما يخسره الغني عادةً من الشباب هو التصميم على الالتزام ولذلك يخسر عادةً أمام من الشاب الفقير أو متوسط الحالة المادية لما يملكه الأخير من دافع.
فالغني يعتمد في حياته على التحفيز
والفقير عادةً ما يعتمد على الدافع.
التعليقات