يقول عبد الرحمن منيف: "إن الأجيال العربية القادمة ستحتاج قراءة الرواية لتتعرف على تاريخها"
ما رأيك فيما قاله؟، الى أي درجة ممكن أن تكون الرواية مهمة؟
على الرغم من أن الرواية تعد نوعًا سرديًّا قابلًا لاستقبال التاريخ والاتساع له، أرى أن الرأي يمثّل حصرًا لنوع بعينه من الروايات، تعتني بالجانب التاريخي فقط. هذا المنوال يضعنا في سياق ضيّق للغاية من الرواية، لا يعتني على الإطلاق بالتعامل الواقعي مع أكثر من نوع من السرد الروائي، ولا ينبئنا بفهم حقيقي، حداثي وعميق، لمعنى فن الرواية بشكل عام. يضعه هذا الرأي في قالب محدّد، يمنعه عن التشكّل والتلوّن بأكثر من جهة، والأهم من ذلك أنه يجبرنا على قراءة واحدة لفن الرواية، بترتيب واحد وبوجهة نظر ضيّقة.
ما فهمته من مقصودك يا علي ان الرواية مهما كانت فهي تنقل لنا واقعنا او حتى تسرد لنا بعض الحيثيات التاريخية الا أنها غير مكتملة وضيق تقودنا الى التفكير في اتجاه واحد.
ربما هذا الامر موجود حقيقة، ولكن هذا الأمر راجع لكون الرواية تحمل حبكة وقصة درامية لابد ان يلتزم الكاتب في سردها، فليس من الصائب ان يعود لادراج حدث تاريخي يصف تفاصيله بالكامل لدرجة ان يشعر القارئ في حصة تاريخية وليس في رواية ادبية، لذلك الرواية تنقل جزءا صغيرا من تاريخنا قد يكون صائبا وقد يكون موجها عن طريق ما يراه الكاتب صحيحا فقط.
يقول عبد الرحمن منيف: "إن الأجيال العربية القادمة ستحتاج قراءة الرواية لتتعرف على تاريخها"
لا يمكن تعميم ذلك على جميع الرّوايات، لذلك فلو ذكر صاحب المقولة أيّ رواية يقصد، وأيّ نوع من الرّوايات يقصد فذلك سيسهّل علينا الإجابة عن السؤال، أقول هذا لأنّه توجد روايات لا ترقى لأن تكون رواياتٍ من الأساس وقراءتها بالنسبة لي هي مضيعة للوقت، على عكس رواياتٍ أخرى لم تأخذ حقّها الكامل في الساحة الأدبية، الفكرية والفنية في مختلف المجالات، فأهملها الكثيرون، في حين توجد أخرى مشهورة ومعروفة أيضا لها باعٌ كبير ومنفعة كبيرة تفتح العقول وتنيرها للتفكير وتفتح مجالا للتخيّل.
مع ذلك، أتّفق في أنّ الاجيال الحالية والقادمة ستحتاج للقراءة والمطالعة كي تتعرّف على تاريخها، لكن هل ذلك سيحدث حقّا! لا أعتقد أنّه سيحدث، لأنّنا نجد أنّه سنةً بعد سنة تزداد فوهة الغزو الثقافي الغربي في كلّ مرة، الهواتف الذكية وتطبيقات التّواصل الإجتماعي وغيرها، كلّها عوامل مشتّتة ومضيّعة للوقت والكثيرون لا يحسنون إستعمالها بشكل عقلاني ومفيد، فيقضون ساعاتٍ طوال أمام الهواتف لتبلغ ال8 ساعات وال 10 ساعات وربّما أكثر، فمن المستبعد جدّا أن نجد أجيالا مستقبلية تعود للرّواية وتقرؤها وتعتبر المطالعة سواء من الجانب التاريخي أو الأدبي جزءا لا يتجزّء من يومها.
الاجيال الحالية والقادمة ستحتاج للقراءة والمطالعة كي تتعرّف على تاريخها، لكن هل ذلك سيحدث حقّا! لا أعتقد أنّه سيحدث، لأنّنا نجد أنّه سنةً بعد سنة تزداد فوهة الغزو الثقافي الغربي في كلّ مرة
بحق الأجيال القادمة انفسها غير واعية بأهمية القراءة وفوائدها، فكيف لها ان تعي للاطلاع على تاريخها، ولكن هناك مثل يقول الأمة التي لا تعرف تاريخها لا يمكن لها ان تبني مستقبلها بشكل صحيح، ولكن مع غزو تقنيات الحديثة حياتنا لم نعد نعلم حتى حاضرنا، فالله المستعان.
اعتقد انه يقصد الروايات الادبية في هذه المقولة, وهو ما اعاصره هذه الايام مع رواية "اولاد حارتنا" لنجيب محفوظ, فكنت دائما ما اظن ان عصر اجدادنا كان افضل بكثير منا بسبب ما نسمعه منهم, ولكن عند قرائتك للرواية, نجد الكثير من صغائر الامور التي تدل علي فساد المجتمع, مثل انتشار "الفتوات", والمخدرات والمسكرات, الظلم كان في كل مكان, والغريب في الامر انه حتى الاسماء التي نراها الان "سوقية", كانت ومازلت متواجدة في عصور اجدادنا.
كل هذا فقط تعرفت عليه من الرواية, فاعتقد ان المقولة لها جانب حقيقي كبير.
مع ذلك, ارفض فكرة "ستحتاج", كانه يقول ان الاسلوب الوحيد للتعرف علي التاريخ هو عن طريق الرواية, وهذا طبعا بعيد كل البعد عن الحقيقة
الرواية من الأجناس الأدبية التي تتشابه مع الأدب الساخر كشعر احمد مطر، تحاكي الواقع ومشاكله بطريقة هزلية ودرامية، قد لا يفهم القارئ المبتدئ معاني كاتبها، إلا ان القارئ الدؤوب يمكن له أن يكتشف مقصود كاتبها.
جورج اورويل الذي كتب رواية 1984 التي تدور احداثها عن فترة سيسيطر النظام الحاكم بإستبداده وحكمه لدرجة التلاعب بعقول الجماهير وتزييف الواقع، ورواية مزرعة الحيوان التي نعيش وقائعها اليوم في العالم العربي، الرواية وان كانت تحمل قصة وحبكة درامية الا أن وقائعها حقيقية قريبة من الواقع المر الذي يعيش فيه المجتمع.
ما رأيك فيما قاله؟، الى أي درجة ممكن أن تكون الرواية مهمة؟
أشتم يا عفيفة في كلامه إضماراً لإحساسه بكسل الأجيال القادمة! نعم، هذا ما وصلني وإلا فكيف يؤخذ التاريخ من الروايات؟!! نعم هنالك روايات تصف عصوراً كما روايات ديكنز تسجل لفترة تاريخية هامة في العصر الفيكتوري ولكن هل يغني ذلك عن دراسة كتاب رتشارد جرين مثلاً موجز تاريخ الشعوب الإنجليزية(Short History of English People)؟ بالطبع لا، فالتاريخ تاريخ و الرواية لابد لها من ملء الفراغات وبالتالي تلك الفراغات تكون من وحي خيال الروائي وهي غير واقعية. أما أهمية الرواية فتأتي من كونها أخف أنواع الأدب فهي تصل للقارئ في يسر وسهولة وقد تدمج بين أحداث تاريخية وأخرى متخيلة.
أعتقد أنه عبر كما يكتب، فعبد الرحمن منيف كاتب استثنائي استخدم الطريقة الروائية السردية من أجل التأثير على الانسان فأنا لا أقرأ رواية مدن الملح لأستمتع وإنما لأتابع التسلسلات التاريخية لدول الجزيرة العربية وكيف أثر اكتشاف النفط عليها. وفي رواية شرق المتوسط التي تتناول الحديث عن دور المعارضة والتي تعد من أهم الروايات من وجهة نظري.
عبد الرحمن منيف يعتبر الرواية آلة مواجهة فمن أقواله _فيما معناه_ لن أذيع سرًا لو قلت أن هزيمة 1967 هي من وجهتني للرواية ليس من أجل الهروب وإنما من أجل المواجهة.
لذلك أستبعد فكرة ( احساسه بكسل الاجيال القادمة) وأرى أنه عمم حالته في كتاب الرواية على جميع الروايات.
ربما مقصود الكاتب لم يكن بالوصف الصحيح، ولكن المقصود الذي وصلني هو ان الرواية بإمكانها ان تحبب الينا التاريخ واحداثه فيما تعجز كتب التاريخ الجافة ان تفعل ذلك.
الرواية لا تنجح فقط في اكتسابنا لمعلومات تاريخية وانما ايضا تعمل على ترسيخ تلك المعلومة بربطها بقصة، وهذا محبب كثيرا، بإمكان ان تخصص المدارس التعليمية لقراءة التي تصب في هذه الفائدة.
اعتبارك أن الرواية هي عمل خيالي وذات طبيعة ذاتية. في حين أنه يمكن أن يوفر رؤى قيمة عن الماضي
الروايات عمل ادبي قد يكون البعض منها يحمل احداثا خيالية وأخرى واقعية تحدث بالفعل في الواقع المعاش، او تنقل ما عايش الكاتب في محيطه، لان الكاتب تنبع افكاره اما من ما قرا عنه او شاهده او عايشه او يحلم بان يعيش به.
فمن الضروري التعامل معها بعين ناقدة ومشاهدتها في سياق مصادر موثوقة أخرى من أجل اكتساب فهم أكمل للتاريخ والثقافة. يتم تصويرها.
هذه وظيفة الناقد هو النقد الرواية بعين ناقدة، ولكن القارئ هدفه المطالعة والاستفادة او الترفيه عن النفس، لذلك من المهم ان يرفق الكاتب توضيحات في اخر الكاتب لاعلام القارئ ان كانت تلك المعلومات صادقة ام لا.
أتفق مئة بالمئة مع هذا القول وإن كانت هذه الطريقة ليست الطريقة المُثلى للتعرف على التاريخ للحضارات والمجتمعات، لكنها بالطبع طريقة الناس في التعرّف والتعبير أيضاً، فالكاتب لا يعرف طريقة يمكن التعبير عنها بشكل أفضل من الرواية والقرّاء من الناس يرون بأنّ الرواية تفهم عليهم وبسيطة في نقل أجواء ما يحصل فعلاً وتسجيل طبائع وأحداث المجتمع.
بالمناسبة هناك العديد من المؤرخين الذين انتبهوا إلى هذه الظاهرة وسجّلوا التاريخ بطريقة أدبية بضع الشيء وبأشبه بقصص الشعوب وحوادثه.
مؤخراً قام العديد أيضاً من الروائيين في سوريا بتسجيل ما حصل معهم في البلاد من حرب كحوادث تاريخية في روايات أدبية، مثل عتبة الألم، أو رواية بيت حدد..إلخ ويبدو أنّ الرواية تنجح أيضاً بإضفاء البعد العاطفي الثقيل وخاصّة في مشاهد لا يمكن أن تنقل بطريقة سفيتلانا أليكسفييتش البارعة صعبة التقليد التي كتبت شهادات الحرب في كتابها ليس للحرب وجه أنثوي.
ولكن هل الروايات ضياء تُغني للتعرف على الوقائع غناء التاريخ؟! وهل يمكن الاعتماد كليةً على معرفة تاريخ البلدان وأسرار الحوادث من خلال الأقاصيص الرويات؟! ألا ترى أن الأحداث التاريخية التي سيقرأها الأجيال القادمة في صورة روايات تصبح أكثر عرضة للدحض و للاتهام بانعدام الموثوقية نظرا فقط لأنها في صورة روايات؟
غالبا ما تأتي الأعمال الأدبية، استجابة لتوافر شروط موضوعية، مُؤطرة بحقبة تاريخية، وظروف افتصادية والاجتماعية وسياسية، وشروط ذاتية متمثلة في ميول الأديب ( الروائي ) وفكره وتوجهاته وعمق ثقافته.
الرواية من الأجناس الأدبية السردية، التي تعطي فكرة، وتلقي نظرة عن الفترة التارخية، التي تناولتها في العمل الفني، إلا أنه لايمكن اعتمادها وثيقة موثوقة، لنتعرف على تاريخنا بطريقة دقيقة لأنها عمل يمتزج فيه الخيال بالواقع بطريقة فنية مبدعة.
التعليقات