سمعت أحد الكتاب يقول:
"لو عملنا تحليل مضمون لروايات كاتب بعينه، وجمعنا كل الأوصاف الأنثوية وتكراراتها، هنقدر نرسم لوحة لحبيبة الكاتب الحقيقية، واحتمال كمان نقدر نتعرف عليها شخصيًا."
على ضوء ذلك، ماذا تتوقع إن تم عمل هذا التحليل ؟ هل حينها حقاً سنعرف حقيقة الكاتب النفسية، وهل بالضرورة تعبر الكتابة عن حقيقة صاحبها وتفضيلاته؟ ومتى لا يمكننا أن نعرف حقيقة الكاتب من خلال ما يكتب؟
الكاتب يضع جزء من روحه في أعماله بلا شك، ولكن الظن أن الكاتب عباره عما يكتب فقط هو محض خيال في رأيي فالانسان حتى في تعاملاته العادية معقد بشكل يمكن ألا يجعله واضح لمن يتعامل معهم من سنوات.
فكيف نستطيع معرفة حقيقة الكاتب من بعض السطور التي تحتوي فقط رُبما على بعضٍ مما يشعر ويحلم وليس حياته بأكملها.
حقيقة الإنسان متغيره يا عبدالعزيز، فالشخص الذي عرفته منذ عشر سنوات طرأت عليه تغييرات بلا شك، وهذا الأمر مشابه لمؤلفات الكاتب، فالرواية التي كتبها الكاتب في سن الثلاثين بها تغيرات عن تلك الرواية التي كتبها في الأربعين من عمره.
لذا فحقيقة الكاتب هي حقيقة الإنسان..لا يمكنك معرفتها كلياً سواء عن طريق كلماته أو كتاباته، ولكن يمكنك التوصل لتفاصيل داخلية حقيقية في نفس الكاتب من خلال مؤلفاته، خاصة أن الكتابة تتم بقدر أكبر من الحرية، حيث لا يوجد ما يستدعي الكاتب أن يظهر على عكس طبيعته.
أنا غير متفق مع هذا الأمر بالمرّة، وأعتقد أنّ هذه الشطحات مشابهة لشطحات كنت أسمعها زمان في مقالات لعلماء تطوريين قالوا مُبالغين في حماسهم، إننا نستطيعُ أن نعرف شكل تمساح كامل وعمره وحالته وطبيعته باكملها من خلال سن واحد من أسنانه دون أن نراه، هذه المبالغات لا أعتقدها صادقة ويمكننا أن نعتمد عليها في الحُكم.
قد نستطيع برأيي تلمّس جزء من حقيقة الكاتب وأحاسيسه وأمنياته وماضيه، لكن أن نُعيد تركيب ذاكرته وماضيه وفقاً لهذا الأمر فهذه مبالغة مُجحفة ليس بحق الكاتب إنّما بحق الإنسان عموماً، لإنّ من يقول هذا يصرّح ولو بطريقة غير مباشرة بأن الإنسان ليس بكل هذا التعقيد، الإنسان يمكن فهمه بسهولة، على الاقل نفسياً، وهذا غير صحيح بالمرة برأيي.
أرى يا ضياء أنه كلما زاد عدد مؤلفات الروائي وصدقه في الكتابة دونما تكلف كان كلام الكاتب الذي أرفقته في المساهمة صحيحاً، وبالمناسبة هذا الكلام جاء على لسان أديب له عشرات المؤلفات ويتحدث من وحي تجربته ولا أظنها شطحة على غير علم.
بالتأكيد لن نستطيع الإلمام بكل تفاصيل الكاتب الداخلية، ولكن على الأقل سنتوصل إلى تحليل يشف لنا عن حقائق وتفاصيل دقيقة في نفسية الكاتب، خاصة إن كان هذا التحليل علمي.
على ضوء ذلك، ماذا تتوقع إن تم عمل هذا التحليل ؟ هل حينها حقاً سنعرف حقيقة الكاتب النفسية، وهل بالضرورة تعبر الكتابة عن حقيقة صاحبها وتفضيلاته؟ ومتى لا يمكننا أن نعرف حقيقة الكاتب من خلال ما يكتب؟
بالنسبة الى فرويد، يمكن تحليل كل الاعمال الادبية والفنية وقراءتها بطريقة تحليلية لمعرفة الحالة النفسية للفنان والكاتب، وقد طبق فرويد نفسه ذلك على العديد من الاعمال الادبية والفنية، من اشهر هذه القراءات، قراءته للأعمال الفنية لليوناردو دافينشي، وبالتحديد لوحة الموناليز، وتحليله النفسي لمسرحية سوفوكليس " اوديب ملكا"،والتي أسس من خلالها ما يسمى بعقدة اوديب فيما بعد .
اذا اخذنا مثا لوحة الموناليزا، يصل فرويد بعد تخليله لها، إلى ان ليوناردو دافينشي كان شخص كثير التأثر بإمه التي كان محروم منها طول حياته بفعل خلافاتها من الاب لكنها كانت تسكن مخيلته العذبة، فليوناردو لم يعش مع امه الا سنوات قليلة في طفولته الاولى، لكنه كان يكن لها كل الحب، يرجع فرويد سبب الاعجاز الفني في اللوحة وهي ان عين الموناليزا تتبع عين المشاهد في كل اتجاه ينظر إليها منه، الى شعور دافينشي بأن امه تحرصه دوما رغم بعدها عنه، كما يفسر ابتسامة الموناليزا التي تبدو احيانا غاضبة واحيانا اخرى سعيدة، يحللها فرويد بأن دافينشي كان رغم حبه لامه والتي هي مصدر سعادته وفرحه، كانت ايضا مصدر خوفه وشقائه، لانها عاقبته بالاختفاء وتركه وحيدا مع مصيره.
تحليل الفنان من قبل عالم شئ مثير للإعجاب والتفكير أيضاً..
من ضمن التساؤلات التي طرأت على عقلي:
ماذا لو تمت مواجهة الفنان بهذا التحليل؟
لنفترض أن دافنشي أنكر صحة هذا التحليل، وأنه لم يقصد اظهار عين الموناليزا بهذا الشكل تعبيراً عن شئ ما يخص علاقته بأمه..هل حينها نعتبر هذا إنكار مجرد إنكار أم بالفعل هي الحقيقة؟
وما مدى دقة تلك التحليلات ؟
إذا ورد هذا اللقاء فعلا، فعلى الأغلب سيكون دافينشي في ورطة حقيقية، لأن فرويد لم يترك تفصيلة لم يذكرها، سواء عن رغبات دافينشي الجنسية او عقده النفسية، بناء على ما توصل إليه علماء النفس الآن،معظم تحليلات فرويد صحيحة ودقيقة بنسب كبيرة، ليس فقط وفق تصريحات مرضاه، بل وفق التحليات الراهنة من مدرسة التحليل النفسي او المدارس الأخرى .
التعليقات