هل الفن له دور إصلاحي أم توافقني الرأي؟

أتفهّم جدًا فكرة الإصلاح التي تقصدها يا صديقي، فهي تعتمد في أصلها على مسألة الإصلاح الثقافي للفرد نفسه. لكن هذا ليس ما عنيته أنا، فأنا أرى أن فكرة الإصلاح التي يفرضها العديد من الأشخاص على الفن هي فكرة دخيلة عليه، لأنها تتمثّل في الوعظ الأخلاقي وإصلاح الدستور الاجتماعي، وإبراز مجموعة من الصفات بشكل دخيل على المحتوى الفنّي. هذا الأمر ينقص من قيمة الفن من حيث الجوانب الجمالية، ويفقده إطلاق العنان الخاص بالخيال والجمال والإبداع وخلافه.

بعض الجمال يا أستاذ معتز يهوي بالنفس إلى الحضيض، ولكن بما أننا تحدثنا عن الفن فأنا يشغلني كثيراً إنتشار الفن الهابط.

هل تعتبره فن؟ وما هي الأضرار الواقعة علينا بسبب انتشاره؟

هذا هو تمامًا ما أردت انتقاده يا مريم. هنا، وبفرض أننا القائمون على تأليف هذا العمل الفني، يجب علينا أن ننصر الخير في النهاية، أو بمعنى أصح نقدّم توبة البطل على طبق من ذهب للقيم المجتمعية، حتى لو كانت وجهة النظر الفنية والتقنية في كتابة السيناريو تفرض هزيمة هذه النوعة داخل البطل لأنها تناقض طبيعته وسماته الشخصية مثلًا. هذا هو ما أريد الإشارة إليه، حيث نغيب عن تجسيد الفن والواقع المناظر لها مقابل أن نفرض على العمل الفني وجهة نظر إصلاحية.

أليس الامر يا مريم يعتمد على نوع الفن المقدم، ربما رأيك استشفيته بناء على ما تشاهديه الان من فنون تكرس العنف والتنمر والكره والخيانة والخلافات، لكن ماذا عن الفن قديمًا، ألم يعالج بعض الظواهر و الشوائب التي تحدث في بعض المجتمعات أتذكر مسلسل سوري اسمه الفصول الأربعة ربما يعد من أجمل المسلسلات التي شاهدتها على الاطلاق كونه يناقش العلاقات الاسرية من منظور علاجي. لكن في المقابل قد تجد أفلام ومسلسلات تضم عشوائيات تشجع الجرائم والقتل. بالطبع اليوم أيضا هناك فن يقدم دور إصلاحي.

هذا صحيح للغاية يا أمنية. وإضافةً إلى وجهة نظرك، فأنا أرى في التنظير على جدوى الفن ودوره في المجتمع قصور كبير، حيث أنني أجد بعض السذاجة فيمن يطالب الفن بمجموعة من القيود الأخلاقية والفكرية من أجل نصرة بعض المبادئ في المجتمع، وأجده قد فوّت على نفسه مساءلة المؤسسات والجوانب المسؤولة فعليًا عن هذا الدور، مثل مؤسسات التعليم على سبيل المثال، ومؤسسات الصحافة، وهجر كل هذه الأصعدة وأمسك بالفن في مصيدة لا تناسبه بطريقة في منتهى السذاجة.

اتفق معك اخي عبدالرحمن

ولكن من يحدد إن كانت رسالة هذا الفن هادفة من وجهة نظرك؟ أليس الأمر نسبيًا وما أراه هادفًا قد تراه أنت تافهًا والعكس صحيح؟ لماذا علينا أن نضع الفن في قوالب؟

الكثير من الفن هدفه الإصلاح والأكثر لا وكل فنان هو من يحدد النوع الذي يريده.

أما بخصوص المقارنة فلا أعتقد أنه يمكن المقارنة بين هذين النوعين فلكل منهما خصائصه ولكن أعتقد بشكل عام أن الفن يجب أن يقيم بمنأى عن هدفه الإصلاح. لأننا نرى مثلًا بعد المسرحيات الضعيفة فنيًا ولكنها تلقى سمعة واسعة بسبب بعض النصائح أو الفكرة الإيجابية التي توضع في النهاية.

لا علاقة لي بالأيدولوجية عند الحديث عن الفن يا صديقي، فنحن امام معيار لا يمكننا إرغامه على أن يوضع في قالب يناسبنا ويناسب أيدولوجيتنا، وليس من المنطقؤ أن نقارن معيار فني بآخر يختلف كلٌّ منهما عن الآخر اختلافًا تامًا.

أمّا بالنسبة لفكرة الرقيّ بالذوق العام، فهذا غير ممكن على الإطلاق، لأن المسألة هنا تحكمها مؤسسات وأدوار أخرى غير الفن. لنفترض أنك عرضتَ فيلمًا قيّمًا في مجتمع تناول موضة الأفلام الرديئة لأكثر من 15 عامًا. هل تظن أنك بهذه الكيفية ترفع الذوق العام؟ لا، سوف يصدمك الفشل الذريع للفيلم في دور العرض.

أختلف معك في هذا الصدد يا مصطفى، فدور الفن غائب في رأيي، لأنه نابع من مجموعة من التجارب الفردية. وعندما نضع هذه التجارب الفردية في قالب فني مجمّع، هنا نكون على الطريق الضال، حيث أننا نسعى إلى قولبة الفن بطريقة ما رغمًا عن سياقة، وهذا الأمر لن يؤدي بنا إلّا إلى طريق مسدود من السياقات الفنية المشابهة، والأعمال الفنية التي ليس بينها أي اختلاف ويحكمها سياق واحد، حيث تتشابه نهايات كل فيلم، وتتشابه مواضيع كل اللوحات، وتشعر بأن الروايات أجزاءً من بعضها البعض.

هذا غير حقيقي على الإطلاق يا عفيفة في رأيي. الفن ليس مصلحًا اجتماعيًا، ومن يرى فيه ذلك فهو يرغم العمل الفني على أن يخرج من سياق الفن إلى سياق التعليم. هذا الأمر هو ما يؤدي بنا إلى تشابه واضح خارج عن كل ما هو فنّي، حيث يحتّم علينا أن نحوّل الأعمال الأدبية إلى كرّاسات من وزارة التربية والتعليم، وأن نحوّل السينما إلى ورشة لتعليم الأخلاق الحميدة. فأنا أرى دائمًا أن العمل الفني قائم بذاته، وأن له قيمة أكبر بكثير من تلك التي تعلّمنا أن التدخين ضار بالصحّة أو أن السرقة سلوك مكروه.

هذا يعود بنا إلى النقطة الأولى يا نورهان، حيث أنني أرى أن الدور المتمثّل في هذا الصدد نغفل ذكره دائمًا فيما يخص المؤسسات التي من المفترض أنه دورها الأول. أنا لا أعني على الإطلاق أن الأعمال الرديئة داخل إطار المجتمعات التي يتفشّى فيها الجهل الثقافي تؤدي إلى سلوكيات سيّئة. لكنني مقابل ذلك أصادف يوميًا آلاف الأشخاص ممن يعترضون على أن الفن له الدور الأول في إصلاح المجتمع، وفي نفس الوقت لا أرى شخص واحد يدين المؤسسات أو النظم التعليمية التي لها هذا الدور من الأساس، حيث أنهم يحمّلون الفن دورًا هو ليس أهلًا له في الأصل.