الصفات القيادية لا تتوفر لدى الجميع وفي التاريخ نجد القصص المثيرة لحنكة وحكمة وذكاء الكثير من القادة العظماء، فهل هل يولد الناس قادة بالفطرة، أم أنهم يطورون السمات القيادية بمرور الوقت؟
هل يولد الناس قادة بالفطرة؟
يتكرر دائما سؤال هل القادة يولدون أم يُصنعون؟ وسؤال آخر أقرب ما يكون لفلسفي: هل القادة يصنعون الأوقات أم الأوقات تصنع القادة؟ ربما تصنعهم المواقف.
يمكن القول أن هناك أشخاص لديهم ميول قيادية بالوراثة، أي أنهم يحملون في جيناتهم ما يؤهلهم للقيادة وفي دراسة أجريت سنة 2007 حول التوائم الإناث وقد أثبتت أن 32% من التباين في شَغل الأدوار القيادية مرتبط بالوراثة.
وهذا يعني أن أولئك القادة المعروفين الذي غيروا مجرى التاريخ أمثال مارتن لوثر وغاندي والأمير عبدالقادر وتشيجيفارا وغيرهم الكثير قد يكون لديهم استعداد وراثي أو بيئة صنعت فيهم المهارات والخصال اللازمة للقائد، عدا ذلك يمكن لمن لديه الرغبة في أن يتعلم مهارات القيادة ويصبح قائدا، وهناك أيضا نماذج لم تكن في بيئة تدعم القيادة لكنهم صنعوا أنفسهم
هل القادة يصنعون الأوقات أم الأوقات تصنع القادة؟ ربما تصنعهم المواقف.
بالنسبة لهذا السؤال فأعتقد أنها مجموعة من العوامل التي ما إن اجتمعت تسهم في إبراز قائد ما، من ظروف وطبيعة مؤهلة للقيادة، وبيئة حاضنة لإظهار سمات هذا القائد، ومن الصعب أن تجتمع كل هذه الأمور مع بعضها البعض، ولذا فالقادة قلة والعموم تابعين
أجد دائمًا أن الاستعداد الفطري بالتأكيد إمّا أن يكون موجودًا أو لا. لكن من جهة أخرى، لا يمكننا أن نتخذ هذا الاستعداد الفطري برهانًا على أي شيء في المستقبل. ما أعنيه بذلك أن التنشئة بظروفها ومعاييرها وجوانبها هي صاحبة القرار الأوّل في خروج الشخص بصورة أو بأخرى، وبسمة أو بأخرى، حيث أنها قادرة على دحض أي استعدادات فطرية لدى الأشخاص وتحويلهم إلى شخصيات غير قيادية بالمرة، وقادرة أيضًا على تغيير السمات الشخصية لآخرين وتحويلهم بضغط الظروف والعوامل إلى شخصيات قيادية وإلى اكتسابهم هذه الصفة حتى وإن لم تكن متوافرة منذ البداية، لذلك أرى أن الاستعداد الفطري موجود، لكنه ليس المعيار الأساسي في حكم هذه المسألة.
أي يا علي أنت تعتقد أن الاستعداد الفطري ليس شرطًا وحيدًا لتنشئة قائد، ولكن هل يمكن للظروف والتنشئة أن تخلق قائد ليس لديه استعداد فطري؟
نعم، بكل تأكيد. وذلك يمكن تحقيقه عن طريق مسارين:
- المسار الأوّل هو تحقيق ذلك عن طريق التنشئة الموجّهة، وما أعنيه بذلك هو أن تتم تنشئة الطفل من قبل الأبوين بشكل واعٍ منهم على توفير أهم الظروف التي تتيح له ذلك. وفي حالة عدم استعداده الفطري، يعملون بشكل منهجي وعلمي على علاج نقاط الضعف، وإذا تم ذلك بشكل احترافي وواعٍ يمكن للأبوين أو القائمين على التنشئة بشكل عام أن يقوّما هذه الطبيعة ويحسّناها لتأتي بنتائجها.
- المسار الثاني هو مسار أصعب بشكل ما، حيث أن امتزاج الطفل ببعض الظروف القهرية والصعبة في الطفولة غالبًا ما تؤدي إلى اهتزازات في الشخصية أو عيوب أو أزمات نفسية دائمة. لكن في حالات أخرى قد تكون هذه الظروف الصعبة بمثابة عوامل الضغط البيئي التي تعيد تشكيل السمات النفسية للطفل، مما يطرح احتمالًا جديدًا، وهو أن تصنع صعوبات التنشئة من هذا الطفل شخصيةً قياديةً لم تولد هكذا، وإنما منحتها المعاناة والأزمة تحوّرًا جديدًا.
الحقيقة أن الاراء تعددت واختلفت،فمن الناس من يقول..أن بعض الناس يأتون الى هذا العالم مع القدرة الطبيعية على القيادة على عكس غيرهم ممن لا يملكون هذه القدرة،وهذا ما أكّده العالِم " بينيس " بقوله:"لا تستطيع تعلم القيادة،فالقيادة شخصية وحكمة وهما شيئان لا يمكن تعليمهما ".
ومنهم من يقول:"ان القيادة فن يمكن اكتسابه بالتعلم والممارسة والتمرين"وهذا ما أكّده العالِم"بيتر دريكر" بقوله:"القيادة تستطيع ان تتعلمها ويجب ان تتعلمها".ويسير على نهجه العالِم"وارِن بلاك"اذ يقول:"لم يولد أي انسان كقائد،فالقيادة ليست مبرمجة في الجينات الوراثية ولا يوجد انسان مركب داخلياً كقائد ".
وأصحاب نظرية "الجرَس"والتي شبهت القيادة بشكل الجرس حيث أنها واحدة مِن أشهر النظريات التي تحدثت في علم القيادة فتقول:"ان بعض الناس يولدون قادة ونسبتهم 2% ، وهؤلاء الناس يقعون في أعلى منحنى الجرس، يبدأون بأداء قيادة جيد جداً،ثم مع مرور الزمن يصبحون أفضل.ثم ان هناك نسبة 2% من الناس يقعون في الجزء السفلي من منحنى الجرس والذين مهما حاولوا جاهدين لن يصبحوا قادة متفوقين،لأنهم لا يملكون التكوين الفطري الذي يوصلهم الى ذلك. أمّا القسم الكبير من الناس والذي يقع في وسط المنحنى والذي نسبته 96% أي الغالبية العظمى وهم الذين يبدأون بالقليل من القدرة على القيادة الفطرية قد يصبحون فعلا متفوقين أو قادة استثنائيين.
أما عن رأيي الشخصي: فالقيادة جزء منها فطري يمكن أن ينمى فيصبح الشخص قائدا عظيم، أو يثبط فيكون شخصا عاديا، وهنا يكون للتعلم والعلم دوره.
ولكن ألا ترى أن نسبة ٩٦ ٪ نسبة كبيرة جدًا ليكون لديهم جميعًا استعداد ولو قليل للقيادة، فالقادة في النهاية قلة قليلة والعموم تابعين، ولو كان معظم البشر لديهم استعداد ولو كان محدودًا للقيادة لرأينا للتناحر والتنازع في كل مكان
ولكن ألا ترى أن نسبة ٩٦ ٪ نسبة كبيرة جدًا ليكون لديهم جميعًا استعداد ولو قليل للقيادة
الاستعدادية هنا لا تعني بالضرورة أنهم يستطيعون، بل المقصود أنهم إذا حاولوا جاهدين يستطيعون، وكل فرد منهم له درجة معينة من الاجتهاد إذا ما وصل إليها يكون قائدا، وهذا لا يعني أبدا أنهم سيصلون إليها فالطريق ملئ بالصعاب والجد والاجتهاد قد لا يقدرون عليه. لكن إذا استطاعوا تطويع هذه الصعاب وجدوا في الممارسة فسوف يصلون. بعكس النسبة التي تقع في أسفل الجرس، فهؤلاء لن يكونوا قادة مهما اجتهدوا، قد يصبحون جنودا أقوياء، أو صف ثان، لكن لن يستطيعوا أبدا أن يكونوا قادة فهم يفقدون القدرة الفطرية للقيادة.
يكون قائداً إن تمت تربيته على أن يكون قائدا ً.
فلو نظرنا في التاريخ سنجد أمثلة تدل على ذلك.
فأم محمد الفاتح ذكر عنها أنها كانت تأخذه لتريه أسوار القسطنينية وتقول له.
-يا محمد إنك من سيفتح تلك البلاد، فلقد قال رسول الله عن فاتحها "خير الأمير أميرها وخير الجند جندها" واسمك يوافق اسم رسول الله وتلك علامة.
فكبر محمد وفتح القسطنطينية!
ولقد رأى أب ما ابنه وهو يلعب ويلهوا فذهب إليه غاضباً وحمله ورفعه لأعلى وقال له
- ما تزوجت أمك وأنجبتك إلا لتحرر الأقصى
ثم تركه فوقع الطفل على الأرض وبان الألم في عينيه.
فقال له أبوه
-هل تألمت؟
فقال الطفل :
-نعم تألمت
فسأله أبوه
-لما لم تبكِ؟
فرد الطفل
-ما كان لمحرر الأقصى أن يبكي.
كبر ذلك الطفل وحرر الأقصى!. نعم..حرره.
فذلك الطفل كان صلاح الدين الأيوبي.
وكذلك إن تحدثنا عن القيادة في كل شئ، في الأسرة او في العمل، فالطفل يستقي المعاني من والداه، ويكون لذلك عظيم الأثر في مستقبله، فالأطفال في بداية حياتهم يكونون كالعجين، يسهل تشكيلهم، من الممكن أن يكونو رواد أعمال ناجحين أو أشخاص طموحين وموهبين، ومن الممكن أن ينتهي بهم المطاف لأن يكونوا راقصين بُلهاء على تيك توك.
لا يوجد شئ اسمه قائد بالفطرة، بل يوجد شئ اسمه تربية سليمة من أسرة واعية وعقل خصب من طفلٍ لديه قابلية للتعلم والإدراك ويستوعب تلك التربية، ويعمل بناءاً عليها ويزيد من عنده ما يتمنى هو لنفسه، فيكون إنساناً مسئولا ً وقائداً سوياً .
القائد يولد وفي جيناته القيادة بمعنى آخر أن القيادة هي فطرة وموهبة، لكن ليس بمعنى ذلك أنها صفة صعبة المنال. لا. إنما مثلما هي فطرة فهي كذلك يمكن اكتسابها بالخبرة والتدريب أيضا. الخبرة التي تنشأ بفعل التدريب المكثف ودخول جريئ إلى معترك الحياة باستخدام أساليب وأدوات متنوعة تعين على مواجهة التحديات والتغلب عليها.
فالقيادة يمكن أن تكون من الجهتين إما من الفطرة أو طبيعة شخصية الانسان أو يكتسبها من الظروف والخبرات، إلا أنه يمكن أن يكون القائد بالفطرة شخص مبدع في القيادة ولديه شغف بها على عكس الشخص الذي اكتسب الخبرة.
التعليقات