يقول المتنبي:
وكلٌّ يرى طُرق الشجاعةِ والندى
ولكن طبعَ النفسِ للنفس قائدُ
ويقول المثل العربي: الطبع غلب التطبّع
فهل من المستحيل تغيير الطبائع أم أنه يمكن للمرء أن يغيّر طباعه؟
لا يوجد مستحيل مع قدرات الانسان وارادته. فالسلوك البشري هو شيء مكتسب او فطري وفي كلتا الحالتين يخضع للسيطرة والضبط وبالتالي نعم يمكن للانسان ان يغيِّر طباعه. ولكن كيف؟
ان كان من طباعي رفض دخول المطبخ ومساعدة الزوجة في العمل واعتبار ان هذا الامر يخص المرأة فقط وان هذه لا نقاش فيها، فهذه ديكتاتورية ذكورية يمكن للاحداث والظروف ان تغيرها. فمثلا سفر الزوجة او مرضها سوف يجبران الشخص على الدخول للمطبخ وبل ممارسة مهام بيتية لم يكن يفكر سابقا في ممارستها.
وفي العمل الحر هناك طباع للفرد مثل الانزواء او سماع الموسيقى او حتى الصراخ على من حوله! فهل يمكن تغيير تلك التصرفات او الطباع؟ الجواب نعم حين يقبل الفرد النقد من الخارج ويكون حقا بحاجة للتغيير فانه لن يعود للصراخ وسيغير طبيعة عمله ويكون في تواجد مع الاهل وكذلك قد لا يسمع الموسيقى .
اذن الطباع يمكن تغييرها من خلال تغيير الدوافع والقناعات والتوجهات، بالتالي يمكن تغيير الطباع او تعديلها او حتى الغاؤها تماما.
برأيي ما ذكرته لا يندرج تحت تغير الطباع؛ فأي شخص يمر بموقف صعب يستدعي التخلي عن طبع أو الالتزام بآخر يقوم بذلك طبعا، لكن خلال فترة معينة ويتوقف عن ذلك حال عودة المياه لمجاريها.
أما تغير الطباع برأيي فهو أن يطبخ الرجل الذي يرفض الطبخ في حضور زوجته ويساعدها؛ فهو يملك خيار عدم الطبخ لكنه تغير و أصبح يريد الطبخ.
ومنه لا يمكن القول أننا اكتسبنا طبعا أو عادة في موضع ضغط؛ إنما الرخاء هو ما يثبت اكتسابنا لها.. أن تكون مخيرا بين طباعك القديمة و طباعك الجديدة، ثم تختار الجديدة؛ هنا تحقق التغيير، أما أن تفعل ذلك مجبرا، فذلك تغيير مؤقت ولا فائدة كبيرة ترجى منه، هكذا أرى الموضوع من وجهة نظري.
أعتقد أننا بحاجة للتجارب القوية والتي بالتأكيد ستزول، فهي ستسمح للشخص بكسر الهالة التي يعتقد أنه عالق فيها تماماً، بالتأكيد يمكننا أن نتغير في حالات الرخاء وحرية الخيار الكاملة، لكننا ك بشر مستجيب للألم وللمنعطفات في الحياة استجابات في معظمها جذرية، لأنها تمنحك سبب قوي وحاضر في الذهن لتتمكن من التغيير، فمثلًا يمكن لشخص أن يحاول الإقلاع عن التدخين لسنوات، لأنه مضر وما إلا ذلك، ويفشل، ولكن فور حدوث أمر بارز مثل وفاة صديق بسبب الدخان وسرطان الرئة، أو مرض طفل المدخن بحيث يصبح من الصعب التدخين بقربه، تولد مثل هذه الأمور دوافع مستدامة يستجيب لها المرء بترك العادة أو الطبع، قد يعود لها مجددًا لكن أثرها على الكثيرين قوي وفعال
هناك طرق لتغيير الطبائع، مثل تجربة جديدة قوية مثل ما قال علي، وأنت قلت مثل مرض الزوجة الذي يضطر الرجل لفعل أمور لم يتصور أن يفعلها، وبالتالي فيكسر الحاجز الذي بناه لنفسه، أيضًا يمكن للمرء حين يعزم على تغيير طبع ما، أن يشغل منبه خاص به، فمثلًا الأشخاص العصبيين جداً، يمكن لهم أن يذكروا أنفسهم أن يتنفسوا بعمق في اللحظة التي يشعرون فيها أنهم بدؤوا بالاشتياط غضبًا، أو أجد أن بعض الأشخاص يقومون بالاستعاذة من الشيطان عدة مرات، وقد تبدو هذه ممارسات عادية، لكنها تساهم في السيطرة على هذه الطباع والتخلص منها فيما بعد
فهل من المستحيل تغيير الطبائع أم أنه يمكن للمرء أن يغيّر طباعه؟
الطباع ماهي إلا ترجمة لأفكارنا وقناعاتنا وحتى مشاعرنا ومادامت الأفكار تتغير ويمكن أن نتخلى عنها فطبيعي جدا أن نتخلى عن بعض طباعنا ولكن يمكن أحيانا ان نستمر على نفس الطبع رغم أننا ندرك أنه علينا تركه مثل رد الفعل بخصوص مواضيع معينة ونقول ستكون الأخيرة لكننا في كل مرة نعود ونفعل ذلك.
يبدو الأمر سهلاً حين نتحدث عنه، لكن في مواقف مثل أن رجل يقضي حياته كاملة كاذبًا ولا تجد منه محاولة لتغيير هذا، حتى يصبح معروفًا بهذا الأمر، ويعرف أنه معروف بهذا الأمر، فما الذي يمنعه من تغيير مثل هذا الطبع؟
وهل هو صعب لهذا الحد، فالأفكار بالتأكيد هي أساس كثير من الطبائع ولكني لا أعتقد أن شخص كاذب يعتقد أن الكذب أمر صائب.
من الصعب عليّ جدًّا أن أطلق حكمًا في هذا الصدد. لكنني ربما أتبنّى رأيًا حقيقيًا على الرغم من أنه في ظاهره يبدو دبلوماسيًا، حيث أن الطبائع والسمات الشخصية لدى البشر عادةً ما تكون قد تكوّنت بفعل الكثير من أشكال التجارب الإنسانية، تلك التي تخص جوانب متعددة في حياة الإنسان من التنشئة والبيئة المحيطة والجينات والسمات وخلافه.
ونظرًا لذلك التعقيد، أرى أن الإنسان يتغيّر بفعل التجربة القويّية، تلك التجربة المؤثرة التي تمتلك تأثيرًا مباشرًا على الشخص، ويمكنها أن تغيّره وتضعه في معضلة أمام نفسه يكتشف من خلالها أنه يتبع مبدأًا خاطئًا، وأنه على الرغم من تفانيه في الانتصار لهذه الفكرة أو هذا المبدأ، فإن عليه في تلك اللحظة أن يغير مفهومه عن الأمور. من هنا أظن أن الإنسان قد يتغير. لكن الأمر نادر بالتأكيد.
أعتقد يا علي أن الأمر يتسم بالتعقيد والصعوبة فالطبع ليس مثل العادة التي يمكن الإقلاع عنها، خصوصًا إذا كان لها جذور عميقة من طفولة المرء أو تجاربه، كما أعتقد أن الأمر لا يتطلب تجربة قوية فحسب، بل يمكن من خلال المتابعة مع الأخصائي النفسي البحث عن سبب وأصول طبع معين ومحاولة تحليله وتفكيك تأثيراته في الشخص، والاستمرار بالتغيير التدريجي البسيط إلا أن يتمكن المريض من التغلب على هذا الأمر.
إنّما العلمُ بالتعلّم و الحلم بالتحلّم
وإلا ما جدوى أن يحرص المرء على معرفة الصواب والخطأ إن لم يسعَ جاهدًا للعمل بها والتخلّق بها والمجاهدة في ذلك.
هل نحن ملائكة؟
كلُّنا ناقصون ونسعى للأفضل، ونقصنا يختلف من شخص لآخر، ونحن مأجورون على بذل الجهد، وهذا الجهد والنية الصادقة هما سبيل الوصول
"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (69)
لكن هل تتغير الطباع جذريًّا؟
يمكن أن يتحسّن الإنسان ويحرز تقدًما في ذلك أما التغيير الجذري فمستحيل، و نحن دائمًا في جهاد.
الإنسان يكون أحيانًا في أحسن حالاته لأسباب داخلية وخارجية يظهر فيها بأحسن صورة، وأحيانًا يكون في حالة ضعف تغلب فيها طباعُه، وبين هذه وتلك نعيش؛ تارةً نسمو وتارةً نخبو.
نحن بشر ولسنا ملائكة
ونسأل الله دائما أن يهدينا و يثبتنا.
باعتقادي زينة أن المثل العربي (من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم) أدق من (الطبع غلب التطبع)
قرأت ذات مرة أن الدماغ يملك من المرونة ما لا يمكن أن نتخيله وأنه قادر على الاستجابة للبيئات والمتغيرات بشكل سريع ومبهر. و رأيت بعيني كيف أن أشخاصًا ولدوا بصفات خَلقية معينة تغيرت بعد مرور سنوات لإقامتهم بدول أروبية مثل تغير لون الشعر أو العيون وأعتقد أن هذا الأمر أصعب من تغيير الطباع وهذا ما دعى علماء النفس لاستحداث قوانين الاستحقاق التي تجعل الانسان يغير من صفاته الشكلية و حالته النفسية من خلال ترديد بعض العبارات حتى تحول لاستحقاقات ويقيين ليتحول إلى واقع فالعقل القادر على انجاز هذا التحول قادر على الاستجابة لتغيير الطباع والسلوكيات وخلق عادات جديدة وردود أفعال جيدة .
وكل منا فوجئ يومًا ما بالفتاة الانطوائية التي كانت في فصله وهي تتحول بعد مرور السنوات لإنسانة اجتماعية و مقبلة على الحياة أو الشخص الناجح المنظم الذي اعتادنا رؤيته وفق اطار معين ثم تحول لشخص آخر مهمل أو غير مبالي ..
الكثير من خبراء علم النفس يؤكدون على أن تكرار عادة أوسلوك ما او التدرب على ردة فعل معينة لمدة 66يوم _وبعضهم حددها ب 40 يوم _ تجعلها ملزمة وتصبح روتينية دون التفكير بها. بحيث تصير تلقائية.
أعتقد أن مرونة العقل أمر مفروغ منه، وقد ناقشت هذا الأمر في مساهمة سابقة يسرني اطلاعك عليها
ولكن المشكلة في الظروف و المعوقات النفسية التي تكبل المرء، فما تحدثتي عنه يتضمن تغيير كبير في مكان المعيشة أو المجتمع المحيط، لكن كيف نغير من طباعنا ونحن في مكاننا؟؟
أعتقد أن الخوف من الخروج من دائرة الراحة يقف سببًا أساسيًا في منعنا من إحداث تغييرات في طباعنا فالعادة تتجذر بسهولة كما ذكرتِ ولكن لا تقتله بنفس تلك السهولة.
طبقاً لعلم النفس فالطباع ما هى إلا مجرد سلوك مكتسب من خلال البيئة المحيطة بنا كالأهل والأصدقاء والإعلام، ويقول دكتور إبراهيم الفقى رحمه الله بأن أول سبع سنوات فى حياة الإنسان هى التي تكون مسئولة عن تشكيل جزء أساسى من شخصياتنا فيما بعد، ولذلك فبالطبع يمكن تغييرها لأنها مكتسبة ولم نُولد بها، وهناك تجربة لطبيب نفسى حول هذا الموضوع فقام بأختيار 20 فرد من العامة من الناس، وإعطائهم نقود فى سبيل تنفيذ التجربة لمدة شهور، وكانت التجربة عبارة عن وضع هؤلاء الأشخاص فى مبنى يشبه لحد كبير السجن، ولكنه لم يكن سجن فهو مجرد مبنى عادى، ثم طلب منهم بأن ينقسموا لمجموعتين لتمثيل دور 10 ظباط، و 10 مساجين، ثم أعطى لكل مجموعة أوامر تختص بتمثيل الوظيفة المطلوبة من كل أحد منهم، وكان الطبيب يضع مسجلات للصوت وكاميرات مراقبة من أجل متابعة التجربة وتسجيل جميع الملاحظات.
يقول الطبيب بأنه فى بادئ الأمر كانت الأمور تجرى بشكل عادى وكل فرد فيهم يمارس تمثيله ، ولكن بعد مرور فترة من الزمن أخذت الأمور تتغير تدريجياً حينما بدء الأشخاص المكلفين بدور ظباط السجن بأن يفرضوا المزيد من الإجراءات الصارمة، وفى المقابل بدء الأشخاص المكلفين بدور المساجين يشكلوا نوع من التمرد عليهم مثل إلقاء الطعام على الأرض وغيرها من الأمور الأخرى، ومن خلال هذه التجربة استنتج الطبيب بأن التمثيل لم يعد تمثيل بل تقمص الأشخاص للدور المٌكلفين به بالرغم أنهم يعلمون جيداً بأنه مجرد تمثيل فقط، وبالتالى فأن البيئة تؤثر بشكل مباشر على الإنسان فى اكتساب العادات والطباع السيئة أو الإيجابية، ولكن مع العلم بأنه يعتمد على نوعية الطباع نفسها فهناك طباع تعتبر خط أحمر بالنسبة للإنسان لأنها تمثل أهمية قصوى بالنسبه له أو تناسب البيئة من حوله، ولذلك فيكون تغييرها هو شبه مستحيل بالنسبه له.
أرى أن الطباع تروض كما يريد صاحبها، ولنا في ذلك قول النبي-صلى الله عليه وسلم- : "إنما العلم بالتعلم، والحِلم بالتحلم"
أي أن الحِلم الذي هو نقيض الغضب من الممكن أن يتدرب عليه الإنسان حتى يكون كما يريد، وربما يغلبه الطبع الأول في بعض الأحايين، وهذا معنى قول العرب: الطبغ يغلب التطبع، لكن هذا لا ينفي صحة التحول؛ لأن الحليم بالطبع يغضب أحيانا أيضا؛ فالقليل النادر لا يؤخذ منه حكم على الإنسان.
وفكرة التحول نفسها موجودة بدليل تبدل بعض الطباع مع التقدم في العمر كالغيرة عند الرجل، فهي حادة في الشباب لينة في المشيب!
وكذلك الحماس في الشباب، ثم الهدوء في الشيخوخة.
التعليقات