يقال: "إن العطاء شرف، والأخذ ألم"
وأتساءل اليوم وإياكم ما السر وراء الشعور الجيد الذي يمنحنا إياه العطاء الذي نقدمه للآخرين ؟؟
بدايةً كل الديانات السماوية تثمّن العطاء والبذل، وتحث الانسان على العطاء والاحسان، لذلك يشعرنا العطاء أننا أشخاص صالحين ونافعين وهذا يحفز لدينا إفرازات تجعلنا نشعر بنشوة وسعادة.
ولان من السنن الكونية والقوانين الربانية أنّ العطاء يثمر الزيادة والإمساك ينتج عنه النقص والندرة، ولعلنا بالتجربة نلاحظ ذلك فكم من أشياء قليلة شاركناها فلاحظنا نموها وزيادتها.
وأيضًا فرحة الآخرين التي نراها على وجوههم، وما يجعلنا نشعر بفرحة مضاعفة فنسعى دائما للبذل لتحصيل ذلك الشعور المميز والجميل.
إن الإنسان يحب الشعور بكونه شخص صالح، فهذا يعزز الشعور بالرضا عن الذات، ولكن ألا يصب هذا في مصلحة المعطي في النهاية، ففي النهاية هل يمكن أن نكون محبيين للعطاء بسبب الشعور الجيد الذي يتولد ؟
نعم في الغالب هذا هو الشعور المسيطر ونحن نعطي من اجل أنفسنا سواء طلبا للشعور اللحظي أو حتى الاجر والمنزلة الرفيعة في الآخرة.
وهنا يحضرني قول جلال الدين الرومي: ما ترسله يعود إليك ويقال أنه مثل صيني إن ثبتت المقولة.
لكن في النهاية كل شيء نفعله سواء خير لأو شر يعود إلينا وعلينا .
هناك مثل إنجليزي يقول: "there is no unselfish deeds" أي أنه لا يوجد فعل غير أناني في جوهره، وهذا يشمل فعل العطاء، فالكثير من الأشخاص يعتقدون أنهم يقدمون الخير للناس دون مقابل أو طلب الأجر أو الشكر، وأنا حققة لا أتفق مع هذا فنحن دائمًا ننتظر مقابل وإن كان في الحياة الآخرة حسب معتقداتنا.
بغض النظر عن أيٍّ من المعتقدات أو النظريات، فإننا كبشر أرى أننا كائنات اجتماعية من الدرجة الأولى، وبالتالي فإن العوامل التي تساعد في تقوية ذلك الترابط في العديد من الأحيان تكون مصدرًا لا ينضب للسعادة، وهو أمر رائع في حقيقته، حيث ينم عن قدرة الجنس البشري على مساندة نفسه، وذلك من خلال مشاعر فردية، لكنها جماعية ومشتركة فيما بيننا في طبيعتها وحقيقتها.
وعلى صعيد آخر أيضًا، يلعب مبدأ التعاطف الذاتي دور كبير في هذا الاتجاه، حيث أن العديد من الأشخاص لا يقومون بذلك بسبب وازع أخلاقي أو دافع اجتماعي، وإنما يكون تقدير وضع الآخر هو السبب الأساسي في هذا التصرّف.
سأحدثك من واقع تجربة ومن واقع الأبحاث
بالفترة الأخيرة اتبعت عادة أن امنح فرد من الأفراد التي هم بحاجة فعلية للعطاء، مع اختلاف صورة العطاء فمرة امنح هدية أشعر أن الفرد يحتاجها، ومرة أخرى في صورة مال لأعطيه الحرية بالتصرف وفق احتياجه، وهكذا ومن خلال تجربتي بالأشهر الماضية، فالتأثير الناجم عن التجربة أفادني على المستوى النفسي أكثر مما أفاد الطرف الآخر، أشعر بالسعادة الغامرة ويسعدني كثيرا فرحة وسعادة الطرف الآخر، أشعر بفيض من الإندروفين والدوبامين والأوكسيتوسين بعقلي (بالضبط نفس شعوري وأنا أتناول الشوكولا) وأكثر.
ناهيك عن توطيد العلاقات على المستوى الاجتماعي فبعد هذه التجربة وخاصةً أني اختص بها أفراد العائلة من قريب وبعيد، أصبحت علاقاتي أقوى وأفضل، هناك نوع من الوفاء بالعلاقة والامتنان من طرفهم، علاقة طيبة لا يسعني وصفها.
من حيث واقع الأبحاث، أوضحت الكثير من الدراسات أثر العطاء على المستوى النفسي للتخلص من الاكتئاب والتوتر وعلى المستوى الجسدي أيضا إذ يقلل من معدل الوفيات أكثر من ممارسة الرياضة 4 مرات أسبوعيا، ودوما العطاء أفضل من الأخذ.
أفادني على المستوى النفسي أكثر مما أفاد الطرف الآخر
سأضيف نفس الرد الذي أضفته للأخ مازن في هذا الصدد
"إن هناك العديد من الأسباب التي تقف خلف العطاء، ولكنني أعتقد أنها جميعها تصب في مصلحة المعطي نفسه عكس ما يبدو، ففي النهاية المعطي يعطي ما يعطيه طلبًا للأجر الدنيوي أو الآخروي، أو لتكفير عن ذنب اقترفه فيمنحه راحة من تأنيب الضمير، أو لكي يشعر أن له قوة عليا ويشعر بقيمة ذاته، أعتقد أن العطاء بحد ذاته فعل أناني. "
يقول د. محمد رجائى استشارى الصحة النفسية والأسرية : "إن العطاء طبيعة فى النفس البشرية"، يعني أن العطاء جز ء من فطرة الإنسان، وما أبرز هذه الفطرة هو أن الديانات كلها جعلت السعادة بالعطاء، ولم تقتصر على العطاء المادي بل شملته بالمعنوي، ككقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
طالما أنّ العطاء يُمنح بأبسط الطرق، فأجد أنه من الطبيعي الشعور بالسعادة وقتها.
أهلًا بك ياسمين.
لربما العطاء طبيعة، ولكن هذا يجب أن يتوافق بشكل من الأشكال مع أن الأنانية كذلك طبيعة بشرية، فيعتقد آخرون أن العطاء في مضمونه فعل أناني، ليمنح الشخص المعطي مشاعر من السعادة والقوة وغيرها في المقام الأول ثم ليمنح المحتاج حاجته
برأيي قول "السعادة معدية" هو ما ينطبق على هذه الحالة؛ فالعطاء يسعد الشخص الذي يقدم إليه، ونحن نشعر بالسعادة لأننا تمكنا من مساعدة وإسعاد الآخرين.
أعتقد أنك أضفت سببًا جديدًا للأسباب التي جمعتها، فالسعادة من حولك قد تولد سعادة لك أيضًا وبالتالي فينعكس الأمر عليك، ويمكن رؤية هذا حين تعطي طفل صغير قطعة من الحلوى فيبتهج ويبدأ بالضحك و ربما العبث معك، فيمنحك هذا شعورًا بالسعادة بسبب رؤية الطفل المبتهج، وقد تول أن تعطيه كل يوم حتى ينقل لك هذا الشعور
لماذا نعطي اطفالنا اموا ليشتروا هدايا لزملائهم في المناسبات؟ الامر ابعد من الكرم والهدية بل هو تعليم الاطفال معاني العطاء التي هي تجلب له التقدير الذاتي لنفسه وفي نفس الوقت تقدير غيره له.
ان العطاء هو المعنى الحقيقة لمفهوم هوية الانسان الاجتماعية ومدى ايمانه باهمية القيام بمثل هذه الافعال التشاركية والتي تجلب له الطمأنينة والسعادة. فالناس يحبون العطاء.
والدرسات تتحدث عن ان مصادر السعادة للانسان تكون في عطائه لغيره والشخص السعيد هو الأكثر سعادة . ولنسأل مثلا من قاموا بتقديم العيدية لارحامهم واقربائهم، كيف كانت مشاعرهم وهم يقدمون العطاء المادي والمعنوي؟ ستجد الاجابة الواحدة والموحدة: إنها السعادة. فهل حقا العطاء يشعرك بالسعادة ام بتقديم الواجب لغيرك؟
إن هناك العديد من الأسباب التي تقف خلف العطاء، ولكنني أعتقد أنها جميعها تصب في مصلحة المعطي نفسه عكس ما يبدو، ففي النهاية المعطي يعطي ما يعطيه طلبًا للأجر الدنيوي أو الآخروي، أو لتكفير عن ذنب اقترفه فيمنحه راحة من تأنيب الضمير، أو لكي يشعر أن له قوة عليا ويشعر بقيمة ذاته، أعتقد أن العطاء بحد ذاته فعل أناني.
التعليقات