يقول ألبرت كاموس عن علاقة الصداقة: "لا تمشي خلفي؛ فلستُ بقائد لك. ولا تمشي أمامي؛ فلستُ بتابع لك. فقط امش إلى جانبي وكن صديقاً لي." لم أجد وصفاً لعلاقة الصداقة خير من هذا؛ فلا شعور بالتعالي ولا الدونية وإنما معاضدة في كل وقت وحين حتى مع تبدل المصالح والحظوظ.

ولكن هل الصديق بهذا المعنى موجود حقاً؟ يقول إسماعيل صبري عن الصديق الخليل:

ولما التقينا قرًب الشوق جهده.......... خليلين ذابا لوعةً وعتابا

كأنً خليلاً في خلال خليله.............تسرًب أثناء العناق وغابا

فهو يؤمن بوجود الصداقة المثالية والخليل الذي يكاد يذوب في خليله ويتداخلان واحدهما في الآخر حتى لا يتمايزان!

كذلك يؤمن مهيار الديلمي بوجود الصداقة ويرى معيارها الصادق أن يعادي صديقك عدوك. بل قد يكون صديقك هذا يعفو عن هفواتك ويقبلك بكل ما فيك من عيوب اكثر من عفو وتقبل أخيك ابن أمك وأبيك:

وحظُّك من صديقك أن تراه........عدوّاً في هواك لمن تعادي

وربَّ أخٍ قَصيِّ العِرق فيه......... سلوٌّ عن أخيك من الوِلادِ

 غير أنً صفي الدين الحلي يرى وجود الخل الوفي ثالث المستحيلات؛ فهل ثمة من يفديك بماله ويقدمك على مصلحته مثلاً؟ لا، فما الصداقة إلا المصلحة والمنفعة المقنعة بقناع الصداقة والخُلة:

لما رأيت بني الزمان وما بهم........خل وفي للشدائد أصطفي

أيقنت أنً المستحيل ثلاثة..........الغول والعنقاء والخل الوفي

كذلك، يشكو الأمام الشافعي غياب الأخلاء الأوفياء؛ بل إنه التمس الصديق بطول الزمان وعرضه فلم يجده :

عبرتُ الدهر ملتمساً بجهدي..... أخا ثقةٍ فألهاني التماسي

تنكرت البلاد ومن عليها......  كأنً أُناسها ليسوا بناس

ولكن هل هناك من يتوسط في الحكم ويرى الصداقة موجودة ولكن فيها قدر كبير من المصالح التي تتلاقى؟ نعم، بشار بن برد يرى ذلك؛ فإذا لم تتلاق المصالح أحياناً فقد يحصل الخلاف و المنابذة و العتاب ولذا ينصحنا بالإقلال من العتاب وعدم افتراض المثالية في الصديق:

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً ......صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه

فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ .....   مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى..... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه؟

فالشاعر هنا يرى الصداقة مزيج بين المنفعة وبين الود الخالص؛ فتلك طبيعتها ولذلك لا يعطيها أكبر من حجمها الطبيعي.

وأنت أيها القارئ: كيف ترى الصداقة؟ ما تجربتك مع الأصدقاء وكيف ترى علامات الصداقة الحقة؟