جاءَ الشتاءُ وروحي في حرائقِها.
وما أزالُ أُداري سرَّ إحراقي.
الناسُ تُوقدُ في بَرْدِ الدجى حطباً.
وإن قسا البَرْدُ بي أوقدتُ أشواقي

جاء الشتاء بلياليه الباردة، شتاء شديد البرودة في أنوائه ولكنه حارٌّ في مواضع أخرى .. كيف ؟

في الأبيات السابقة، استقبل شاعرنا الشتاء بمشاعر مختلفة الحرارة، وكأن الشتاء كان سبباً في إشتداد لهيب أشواقه وعواطفه، والحق أن تلك ليست حالة الشاعر منفرداً، ولكن ما أكثف مشاعر الشتاء وما أغزر شعره .. فكم من شاعر أوقدت برودة الشتاء قلبه فاشتعل بالكلمات .. فما علاقة البرودة بالمشاعر ؟

لا نستطيع الحديث عن الشتاء وقصائده دون استحضار أنشودة المطر لبدر شاكر السياب، ففي أنشودته ربط الشتاء وأمطاره بحزنه على العراق خلال أبيات قصيدته، كيف لا وهو الذي يبعث فيه المطر حزناً عميقاً .

وهنا يقول :

وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ حِينَ يُعْشُب الثَّرَى نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...

تحدثنا عن الشعراء والشتاء، ماذا عن مشاعرهم وقصائدهم في الصيف .. هل تختلف ؟

يقول إيليا أبو ماضي :

عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها
فَهيَ كَالخَودِ الَّتي تَمَّت حُلاها
صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ
ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها

عجيب كيف تبدلت أحوال المشاعر من الحزن القاتم شتاءً إلى البهجة البهية صيفاً، فهنا يمتن الشاعر للصيف الذي أعاد للأرض صباها، فهل نصبح سعداء مبتهجين صيفاً حقاً أم أنها مجرد رموز شعرية لخدمة الصناعة الأدبية تركت بصمتها علينا كقُراء دون أن نشعر ؟