كَلِماتُنا في الحُبِّ .. تقتلُ حُبَّنَا 
إن الحروف تموت حين تقال

نزار قباني

إن الحروف تموت حين تقال .. يقال إن هيبة المشاعر تكمن في خصوصيتها، فنوليها اهتماماً أكبر وتتعاظم قيمتها مع الأيام، تكبر كسرٍّ بداخل قلوبنا فتتغذى من دمائنا وتختلط بها، وبمجرد النطق بها تضمحل قيمتها، وتفقد بريقها، بل تموت كما يقول قباني، هل البوح فعلاً مقبرة للمشاعر؟

ويقول صريع الغوانيّ :

يَقولونَ لي أَخفِ الهَوى لا تَبُح بِهِ 
وَكَيفَ وَطَرفي بِالهَوى يَتَكَلَّمُ 
أَأَظلِمُ قَلبي؟ لَيسَ قَلبي بِظالِمٍ 
وَلَكِنَّ مَن أَهوى يَجورُ وَيَظلِمُ

ولكن لماذا ينصحونه بإخفاء الهوى؟ يلقي لنا طرفاً من الإجابة في آخر بيت حين يقول، ولكن من أهوى يجور ويظلم، فذلك الذي أحبه يجور على مشاعري ولا يرفق بها، لا يلقي لها بالاً ويستحقرها، فتتحول من مشاعر توق براقة إلى انكسار دائم لم يكن ليصيبني لو أحكمت لساني على مشاعري وأمسكت عن البوح بها .

وإنني أرى أن السبب في سلب المشاعر مكانتها عند البوح بها، هو رد فعل الطرف الذي بحت له بها، فمقابلته لها بالرفض أو السخرية أو الاستغناء يحولها إلى كابوس لا أتحرر منه طوال حياتي، ويجرّدها من كل المعاني والأحلام الجميلة التي ربطتها بها .

لنفترض أن ردة فعل الطرف الآخر عند البوح بالمشاعر كانت إيجابية ومرضية، فهل هذا كافٍ للحفاظ على مكانة هذه المشاعر ؟ في رأي كشاجم أمرٌ آخر قد يفسد سحر المشاعر :

يُعَادُ حَدِيْثُهَا فَيَزِيْدُ حُسْناً
وَقَدْ يُسْتَقْبَحُ الشَّيْءُ المُعَادُ

يعتقد كشاجم أن الإعادة أحد الأفعال المستقبحة والتي تفقد الكلام روعته والمشاعر جاذبيتها، فيلقي التعود والضجر بظلاله على هذه المشاعر من كثرة البوح بها وإعادتها، وإنه لمن العجيب أن يشتكي أحدهم من كلمة "أحبك" عندما تتكرر كثيراً، فتصبح في عينيه مصدر إزعاج وليس تعبيراً لطيفاً .. ما رأيكم أنتم ؟

وفي الختام.. هل تعتقدون أن المشاعر تموت عند البوح بها أو تفقد قيمتها، أو ما يفقدها قيمتها هو كثرة الحديث عنها ؟