أحيانًا نصادف في حياتنا وجوهًا تبتسم لنا وتوهمنا بالحب والاهتمام، فنفتح لهم قلوبنا بصدق، ونغمرهم بالثقة والوفاء، ثم نكتشف لاحقًا أنهم لم يكونوا سوى أقنعة… أقنعة مزيّفة من نفاق وكذب وخداع.

كنت أظن أنني محاطة بأشخاص يحبونني بصدق، أعطيتهم من وقتي ومشاعري أكثر مما يستحقون، ورفعتهم في قلبي إلى مكانة عالية، لكن اكتشفت بعد فترة أن كل ذلك لم يكن إلا وهمًا صنعوه بخداعهم. والأصعب لم يكن الغدر نفسه، بل أنني لم أفهم أصلًا ما الذي كانوا يريدونه من فتاة مثلي؟ ما الذي يدفع إنسانًا لإيذاء شخص لم يسيء له يومًا؟ لماذا يملأ الحقد قلوب بعض الناس تجاه من أحبّهم بصدق وإخلاص؟

أعترف أن قلبي تألم حين عرفت حقيقتهم، فقد كان الخداع قاسيًا، لكن ما زاد ألمي أنني مضطرة للابتسام في وجوههم والتصرّف وكأن شيئًا لم يكن، فقط لأنهم من الأقارب ولا أستطيع أن أقطعهم من حياتي نهائيًا.

الغريب أنهم ما زالوا يتظاهرون وكأنهم يحبونني، ويظنون أن نفاقهم يغيظني أو يكسرني، بينما الحقيقة أن غدرهم جعلني أقوى، وأنني اليوم لم أعد أراهم إلا أشخاصًا يثيرون في قلبي الاشمئزاز والشفقة معًا: الاشمئزاز من كذبهم، والشفقة على أعمارهم التي تضيع في التمثيل والخداع.

أنا لا أحقد عليهم، ولا أفكر بالانتقام، فأنا أؤمن أن حقي لن يضيع عند الله، فهو خير من ينتقم من كل ظالم. أجمل انتقام بالنسبة لي في هذه الدنيا هو أن أنجح، وأن أرتفع فوق كل ما أرادوه لي من سقوط وانكسار.

لكن مع ذلك، يزعجني هذا الوضع، لأنهم يتوهمون أنهم انتصروا عليّ، وأنهم تغلّبوا عليّ بخداعهم، وأن ابتسامتي لهم ضعف، بينما الحقيقة أنني أضحك في وجوههم بقوة من اختبر الخيانة ولم ينكسر.

وهنا يكمن صراعي الحقيقي:

  • كيف أتعامل مع هؤلاء المنافقين الذين يصرّون على إظهار الحب بينما في داخلهم لا يحملون إلا الغش؟
  • كيف أواجه استهزاءهم واستخفافهم، وأحافظ في الوقت نفسه على كرامتي دون أن أُظهر ضعفًا أو أتأثر بهم؟
  • هل يكفي أن أتجاهلهم تمامًا وأتصرف وكأن نفاقهم لا يعنيني، أم أن هذا يجعلهم يتمادون أكثر في غيّهم؟

أكتب هذه الكلمات وأنا أعلم أن كثيرين مرّوا بتجارب مشابهة، وربما أقسى، مع أقارب أو أصدقاء أو حتى زملاء. لذلك أتساءل: لو كنتم مكاني، كيف ستتعاملون مع هؤلاء المنافقين؟