لا أعرف كيف أبدأ حديثي، أو حتى إن كنت أبحث عن حلّ، أم مجرد أذن تصغي لي دون أن تقاطعني بنصائح محفوظة أو كلمات مواساة لا طائل منها. لكنني سأحاول، فربما بين هذه السطور أجد نفسي، أو ربما يجدني شخصٌ آخر يشبهني.

أنا فتاة صغيرة، تحمل من الأحلام أكثر مما تستطيع حمله يداها، ومن المواهب أكثر مما تستطيع استثمارها. أرسم، أصمم الأزياء على الورق، أحب الخياطة رغم أني لا أمارسها كما يجب، أهوى الطبخ رغم أن نصف ما أعده لا يكون لذيذًا، أقرأ وأكتب، وأملك خيالًا أوسع من واقعي الضيق. كتبت روايتين، إحداهما رومانسية، والأخرى خيالية عن الجن، وأخرى فقدتها في منزلنا القديم، وكأنها اختارت أن تختفي قبل أن ترى النور. أكتب الشعر أيضًا، وأحب الحديث مع من هم أكبر مني، أجد في عقولهم مساحة أوسع للنقاش، على عكس أبناء جيلي الذين لا يرون في العالم سوى الحب والغرام وما بينهما.

تعلمت الإنجليزية، والآن أحاول الإيطالية، وأحلم بأن أصبح مصممة أزياء، وأن أكتب كتابًا يحمل أفكاري التي لم أستطع قولها أبدًا، فأنا شخص كتوم، وأفراد عائلتي نادرًا ما يستمعون إليّ، لأنني "الصغيرة"، والصغير في العائلة لا يُؤخذ على محمل الجد.

لكن المشكلة ليست هنا، هذا كان مجرد تعريف عني، حتى لا يحاول أحد تبسيط مشكلتي أو ربطها بكوني "فتاة بلا أحلام". مشكلتي الحقيقية هي المدرسة.

أنا أكرهها، ليس كرها عابرًا، بل كرهًا يصل إلى حدّ الجنون. أهرب منها كلما استطعت، ليس لأنني لا أريد التعلم، بل لأن فكرة الالتزام بشيء يومي، كالسلاسل التي تُلف حول العنق، تخيفني. كيف سأتمكن من العمل مستقبلًا إن كنت لا أحتمل فكرة الدوام اليومي؟ أفكر في ذلك كثيرًا. لهذا اخترت الكتابة، لأنها لا ترهقني ولا أشعر معها بالملل، واخترت تصميم الأزياء لأنه عمل يدوي، قريب من الرسم، ولأنه عملي الخاص، لن أكون مضطرة لرؤية نفس الوجوه كل يوم، لن أكون مجبرة على مجاملة أحد أو تقبل بيئة لا تناسبني.

المدرسة بالنسبة لي ليست مجرد مكان للتعلم، بل مصدر خوف يومي. في العطلة أشعر بالراحة، أما في أيام الدراسة، فإن قلبي يظل خائفًا طوال الوقت. أخاف وأنا في طريقي إلى المدرسة، وأنا أمام باب الفصل، وأنا في داخله. لا أملك أصدقاء، ولا أريدهم. مَن حولي يرونني مملة، يتحدثون عن أمور لا تعنيني، ولا أستطيع التظاهر بأنني مهتمة بالحب والعلاقات والمغامرات المراهقة.

كل صباح عندما يرنّ هاتفي ليوقظني للمدرسة، أتمنى الموت، أن أبقى في فراشي دون أن أضطر لمواجهة هذا اليوم.

لكن المدرسة ليست مشكلتي الوحيدة، هناك عائلتي. قد أكون محظوظة بالحياة في منزل، لكنني أيضًا تعيسة بالحياة داخله. أبي عنيف، أكثر مما يمكن أن يتخيله أحد، وبما أنني الأصغر، فأنا الأكثر تعرضًا للعنف، حتى لأتفه الأسباب. كل يوم عند مائدة الطعام يتشاجر مع أمي، وأحيانًا ينقلب الطعام رأسًا على عقب، والشتائم تملأ المكان. إخوتي اعتادوا الأمر، أما أنا فلا، ربما لأنني الأصغر، وربما لأنني الأكثر خوفًا.

لكن الخوف الأكبر ليس من الشجارات، بل من اللحظات التي تليها. حين ينعزل أبي تمامًا، يأكل وحده، ينام وحده، وأنا الوحيدة التي تسأل عنه، التي تحضر له الطعام، وتكون وجهًا لوجه مع غضبه المتراكم، الذي يفرغه فيّ.

كل هذا جعلني أفكر بالرحيل، بالخروج من هذا المكان. في البداية كنت أقول: "سأصبر حتى أنهي دراستي وأعمل"، لكنني لم أعد أملك الصبر. لهذا بدأت أبحث عن أي طريقة لكسب المال، أي حل يمكن أن يجعلني مستقلة دون انتظار. جربت العمل الحر، جربت الدروبشيبينغ، جربت الكثير، لكن لا شيء أنقذني.

الآن، أنا لا أطلب سوى حلّ، أي حل، حتى لو كان مجرد تشجيع، أو كلمة تجعلني أرى الأمور من زاوية مختلفة. ربما هناك مخرج لم أره، وربما لا يوجد مخرج أصلًا.

أنا آسفة إن كنت قد أضعت وقتك بقراءة كلماتي، لكنني كنت بحاجة لأن أقولها، لأن أخرج أفكاري بدلًا من أن تظل تتآكل داخلي، كغريب يتحدث إلى المجهول، على أمل أن يجده شخصٌ يفهمه.