مقدمة

لا يخفى على أحد أن ميدان الترجمة شأنه شأن أي ميدان آخر يتفرع إلى عدة فروع منها الترجمة القانونية والترجمة التقنية والترجمة الطبية ومجالات أخرى عدة. ونتناول في هذا المقال واحدًا من أكثر فروع الترجمة أهمية وتأثيرًا، ألا وهو الترجمة الصحفية. لقد أصبحت وسائل الإعلام والترجمة تخصصين لا ينفصلان في ظل العولمة القائمة؛ حيث يؤديان دورًا لا غنى عنه في نقل الأخبار على الصعيد الدولي. فلا يقتصر دورهما على نقل المعلومات إلى القارئ فحسب، بل يعملان أيضًا على تسهيل تدفق تلك المعلومات. ولذلك يعد المترجمون ركيزة أساسية في أي مؤسسة إعلامية، مثل وكالات الأنباء العالمية، من أجل التواصل الفعال. ومع ذلك، تم تجاهل الترجمة الإعلامية في دراسات الترجمة. وتعد الترجمة الإخبارية من الفروع الحديثة نوعًا ما. ومع ذلك، تقوم بها الصحف في بلدان مختلفة. وبفضل الترجمة، تصل الصحافة إلى عدد كبير جدًا من القراء وتسهم الأخبار المترجمة في تشكيل آراء القراء، مما يؤثر بشكل كبير على الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم من حولهم. وعلاوة على ذلك، فإذا ما وضعنا في اعتبارنا مجموعة المواضيع والأحداث التي تنشرها الصحف والمجلات، فإنها مهمة صعبة بالفعل للمترجم الحقيقي؛ لأن الخطاب الصحفي ظاهرة لغوية خاصة تنطوي على بعض المعايير الخاصة وتعكس جوانب مختلفة مثل الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والأيديولوجية. فالصحفيون يكتبون قصصًا إخبارية ذات بنية وترتيب ووجهة نظر وقيم معينة ينبغي نقلها إلى لغة أخرى.

الخطاب الصحفي وخصائصه

بدايةً دعونا نعرّف الخطاب الصحفي: فهو عمل تواصلي لظاهرة لغوية معينة يتطلب بعض المعايير الخاصة وينعكس على الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والأيديولوجية. وبالتالي، فإنه يعد خطابًا متخصصًا، وتفرض ترجمته تحديًا حقيقيا للمترجم. وفي هذا الصدد، يتناول هذا المقال ترجمة الخطاب الصحفي مع التركيز على استراتيجيات النقل. في الواقع، قد تكون الترجمة الإخبارية محفوفة بالمخاطر عندما تعتمد على السلطة الإعلامية التي ينبغي احترامها. وعلاوة على ذلك، فإنها غالبًا ما تكون ذات توجه سياسي.

وتعد اللغة ظاهرة اجتماعية فعالة تستخدم للتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا وتجاربنا. وما يعطي اللغة القوة الخطابية هو السياق الاجتماعي والثقافي الذي تنبثق منه. ولذلك، فإن اللغة والخطاب مرتبطان ارتباطًا وثيقُا من حيث أن اللغة تعطي أسماءً للفئات ، وتساعد بالتالي على وضع حدودها وعلاقاتها ، ويسمح الخطاب بتكرار هذه الأسماء وكتابتها ، مما يسهم في الواقع الظاهر لهذه الفئات وعملتها.

وتمر التقارير الإخبارية عبر سلسلة من عمليات الإنتاج التي يساهم فيها الصحفيون والمراسلون والمحررون والمترجمون ورؤساء التحرير قبل وصولها إلى القراء. ويتعين على كل هؤلاء الوسطاء الامتثال للأنظمة والسياسات التي تعتمدها مؤسساتهم. ومنذ بداية العملية، أي جمع الأخبار، وحتى المرحلة الأخيرة من نشر الأخبار، يتخذ الوسطاء المشار إليهم قراراتهم وفقًا للقيود التنظيمية. وهكذا، نادرًا ما تصل التقارير الإخبارية إلى الجمهور بأشكالها الأصلية؛ حيث تمر بمرحلة تحول. فالأخبار لا تصدر في فراغ، بل في سياق اجتماعي له بنيته ومسؤوليه. ويأخذ معدو النصوص الإخبارية في الاعتبار، المعرفة والقيم المشتركة للمؤسسة وكذلك المجتمع الذي يعملون فيه.

الترجمة الإخبارية

تتسم الترجمة الإخبارية بطابع مختلف وتجري مناقشتها كثيرًا في مجال دراسات الترجمة، حتى أن بعض الباحثين بذلوا جهودًا لإيجاد اسم لهذا المجال من الترجمة. وتتحدد الممارسات في مجال الترجمة الإخبارية إلى حد كبير بتوقعات القراء المستهدفين والقيود الزمنية. والهدف الرئيسي من إنتاج الأخبار وترجمتها هو تزويد القراء بآخر المستجدات دون تقديم أي تنازلات عن صحة محتوى المواد الإخبارية. وينبغي عند القيام بذلك إيلاء أهمية كبيرة لتوقعات القراء من مختلف المجتمعات المحلية. ولذلك يجب إعادة تشكيل القصص الإخبارية قبل نقلها إلى القراء المستهدفين في مجتمع آخر وفقًا لمتطلبات التأثير الثقافي. وخلال هذه العملية، يتم اعتماد استراتيجيات تحويلية مختلفة مثل الإضافة والإغفال والتلخيص من أجل تلبية التقاليد الثقافية للقراء المستهدفين.

المصدر: