منذ ما يقارب العشرين عامًا، خلال دراستي في هندسة البرمجيات، وضمن إحدى المقررات العملية أُوكلت لكلٍ منا حلقة بحثٍ تتناول إحدى قطع الحاسوب بشرحٍ مفصل. فبادرتُ بتجميع مصادري من الإنترنت (وكانت حينها محدودةً نوعًا ما قياسًا بيومنا هذا) ونظّمتُ بحثًا موسعًا عن كرت الشاشة.

وعند امتثالي أمام المُعيد الذي كان حازمًا وقاسيًا بعض الشيء مع الطلاب الذين سبقوني، وبعد حديثي باقتضاب عن موضوع البحث، أمسكَ بالنسخة الورقية وسألني السؤال الذي واجه به الجميع بعد أن أثنى على الإلقاء وعلى البحث "من أين استقيت معلوماتك؟" أجبته بكلمةٍ واحدةٍ ودون مواربة "من الإنترنت" فاستوضح عن دوري في ذلك، لأردّ عليه بأنني بحثتُ كثيرًا وعرفتُ من أين أختار وكيف أرتب النتائج وأسردها بأسلوبي مبينًا له بأن كل شيءٍ أصبح متاحًا للجميع والعبرة بمن يعرف الاختيار. أما النتيجة فكانت العلامة الكاملة.

اليوم وفي ظل هذا العصر الرقمي، أصبحنا نواجه وفرةً غير مسبوقةٍ من البيانات، حيث يتم إنشاء كميات هائلة من البيانات كل يوم من خلال مجموعةٍ متنوعةٍ من المصادر كالحواسيب والأجهزة الذكية والأنظمة الرقمية إضافةً إلى أجهزة الاستشعار والكاميرات وغيرها الكثير من الأدوات التي تضخّ هذه البيانات، فتوفر لنا فرصةً هائلةً لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل واتخاذ قراراتٍ أكثر ذكاءً، حيث جعلت التكنولوجيا المعلومات وفيرةً ويمكن الوصول إليها بسرعةٍ وسهولة. ومع ذلك فإن وفرة البيانات تأتي أيضًا مع مجموعة من التحديات والمخاطر.

فنتيجةً لتلك الوفرة المفرطة للبيانات تضخمت أدمغتنا لتصبح مثل البالون، مما يجبرنا على الانفجار، وقد يرى كثيرٌ منا تلك أن التكنولوجيا التي من المفترض أن تكون أداةً لتوسيع قدراتنا ومعارفنا، انتهى بها الأمر لتصبح هي التي تفجرنا وتخرب تعلّمنا وتجعلنا أكثر تشتتًا وتوترًا.

ليعيد السؤال طرح نفسه مجددًا؛ وفرة البيانات نعمة أم نقمة؟ وكيف نستفيد من وفرة البيانات هذه بطريقة فعالة؟