المشهد الأول: منزل كلاسيكي الطراز، مذياع يحتوي على ثلاثة أو أربعة محطات حكومية على الأكثر، أعمال يدوية وحرفية بسيطة تبدأ في الصباح الباكر وتنتهي عند وقت العصر، تعود لمنزلك في سيارة كلاسيكية بسيطة أو في وسيلة نقل عام تقليدية، تتناول الغداء ثم تجلس في الشرفة لتناول الشاي والتسامر مع الزوجة والأولاد، ثم زيارة لبعض الأقارب أو الخروج للتنزه، ثم عودة للنوم مبكراً من أجل الاستعداد لليوم الجديد..

حياة بسيطة وهادئة ولا تحتوي على أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا الحديثة التي نستخدمها حالياً بمميزاتها وعيوبها.

فجأة حدث طارئ وأنت في تلك الحقبة واحتجت وسيلة حديثة للاستغاثة أو لطلب المساعدة أو للهروب أو للعلاج أو لإصلاح شيء ما، ولم تجد بالطبع، سيصبح الأمر جحيماً بالنسبة لك.. وستتحسر على تقنيات حديثة كانت لتساعدك في هذه الأزمة.

افتقدت أحدهم أو إحداهن وهم في الغربة واشتقت لرؤيتهم، أقصى ما تستطيع فعله هو إرسال خطاب ورقي أو خطاب بريدي به شريط صوتي مسجل، والانتظار لأسابيع وربما لأشهر لاستلام الرد.. فتجلس وتتحسر على تقنية الإيميل ومكالمات الفيديو التي جعلت البعيد قريباً وحاضراً، ولا تملك إلا أن تتحسر فحسب.

المشهد الثاني: مشهد مألوف لشخص أمام حاسب آلي وفي يده هاتف ذكي، كل المحتويات بين يديه، كل وسائل التواصل متاحة بضغطة زر، زحام المدينة وزخم التقنية وصخب البيئة وضيق الوقت وتشتت الأفكار وكثرة الأعباء.. ترغب بنزع مقبس الكهرباء عن تلك الحياة بالكامل والعودة لأحضان الطبيعة الهادئة للاستجمام.

مشهدين مختلفين تماماً.. الحقبة القديمة بمميزاتها وعيوبها.. والحقبةالحديثة بمميزاتها وعيوبها..

اذا امتلكت المعرفة بالاثنين، وخيروك بين إحداهما لتعيش فيها إلى آخر عمرك بكل معرفتك الحالية وخبراتك ولكن دون أن تستطيع تغيير أي شيء في الحياة التي ستختارها، ستعيش فيها بإمكانياتها المتاحة فحسب، فأيهما ستختار، ولماذا؟