أعتقد أننا جميعًا قد عانينا من الوحدة في فترات من فترات حياتنا، حتى ونحن في وسط دائرة من الأشخاص أو مجموعة من المقربين، فالوحدة لا تعني أن يكون الإنسان بمفرده فقط، ولكن الأسوأ أن يكون وسط الجموع ولا يجد لنفسه مكانًا بينهم، وربما كان بطل دواعي السفر هنا محظوظًا حين منحه القدر فجأة صديق غير متوقع كان يعاني مثله من الوحدة، فأنس كل منهما وحدة الآخر، وأخرجه منها، فأعطى معنى، وأضاف البهجة لحياته، ولكن هذا لا يعني في أرض الواقع أننا علينا أن ننتظر منقذنا حتى يأتي ويخرجنا من هذا الفراغ الموحش بل نحاول أن نخرج أنفسنا بأنفسنا، ما نصائحكم لشخص يعاني من الوحدة، كيف يمكن أن يخرج نفسه منها أو يصبر نفسه عليها؟
مسلسل دواعي السفر: ما نصائحكم لشخص يعاني من الوحدة؟
ليس بالضرورة أن تكون الوحدة شيئا سيئا فالبعض يختار الوحدة ليفعل أشياء يفضلها ربما العمل على تطوير نفسه أو لأنه يفضل الوحدة لأسباب شخصية ولكن من الضروري أيضا أن يحاول الفرد الخروج ولو قليلا من هذه الوحدة سواء اختارها أم لا ومن ضمن الأشياء التي أنصح بها هي محاولة الاتصال بالأصدقاء ولو صديق واحد حتى، ومحاولة البحث عن أشخاص يهتمون بنفس اهتماماته ولهذا السبيل عليه بالاندماج مع مواقع التواصل الاجتماعي والبحث عن جروبات هو مهتم بها، أو مثل منصة حاسوب هنا فهنالك أقسام لكل شيء تقريبا فلو حاول الشخص الاندماج ومحاولة التواصل مع الأخرين فسيحقق لنفسه المعرفة وفي نفس الوقت التعرف على أصدقاء جدد يشارك معهم ما هو مهتم به والعكس.
لأنه يفضل الوحدة لأسباب شخصية.
لا أعتقد أن أي إنسان قد يفضل الوحدة ولكن هناك أنماط من البشر تحتاج فقط كل حين وآخر أن تقضي وقت بمفردها لشحن طاقتها ومعالجة أفكارها ومن ثم العودة والاندماج مع من حولهم، واختيار التركيز على أهداف معينة ليس معناه الوحدة ولكن هو ترتيب للأولويات وتخصيص وقت أكبر لهدف معين نسعى له ولكن هذا لا يمنع أن نكون محاطين بأشخاص نستطيع ونفضل أن نكون معهم، الوحدة التي أقصدها هي التي يشعر فيها الإنسان أنه بمفرده ولا أحد يفهمه أو يحبه أو يهتم به، وهو في أشد الحاجة لذلك، ولكن لا يعرف كيف يحققه.
أنتِ أوضحت هنا الفرق بين Alone, Lonely، الوحدة (Alone) المقصود بها تواجد الشخص بمفرده تمامًا، لا يوجد معه أحد، وهذه قد تكون اختيارية أو إجبارية على حسب الموقف، أما Lonely فهي الشعور بالوحدة داخليًا، أي أنني وسط جمع غفير لكن لا أحد يفهمني، لا أشعر بالانتماء لأي شخص أو مجموعة، وهذا أصعب، وطرحه المسلسل أيضًا في شخصية علي كعامل من عوامل اكتئابه، فهو يظن أن ما يدور في عقله لا يشعر به اي شخص ولا يفهمه، وأحيانًا يكون هذا الشعور ناتج عن توهم فقط، بمعنى لو أن الشخص قرر التحدث مع بعض الأشخاص، قد يجد أنهم يمرون بنفس تجربته حتى لو تجاربهم مختلفة كليًا عنه.
بالفعل إيريني هو سبب شائع جدا، كثيرا يعانون مثل علي ولا يعرفون كيف يعالجون الأمر، مشكلة علي أنه لم يعتاد الشكوى أو التعبير، لم يعرف يوما كيف يتحدث عن مشاعره ومخاوفه ومشاكله، لأنه لم يتم السماح له وهو صغير بذلك، فكبر وهو يظن أنه لا أحد سيفهمه أو سيهتم بما يقوله، ربما لأنه يظن أنه هو فقط من يشعر به وربما في حالات أخرى لأنه يظن أن الجميع يمرون بمشاكل وإذا تحدث عن مشاكله إما سيصيبهم بالإحباط أو الإزعاج أو إما سيبدو دراميا أمامهم ويتم التقليل من مشاعره وأحقيته في الشعور بها، وهذا يجعل الإنسان في النهاية خجلا جدا من البوح أو مشاركة أيا من أفكاره.
دائماً نجد أن الشخص الذي يشعر بالوحدة يعاني من مشاعر سلبية ليس من السهل الخروج منها، لذلك لن أكون واقعية إذا قلت أن الحل هو محاولة الخروج والتحدث مع أشخاص إيجابيين، لذلك أرى أن الحل الأمثل هو قيام الشخص الذي يشعر بالوحدة بالأنشطة التي تخرجه من الحالة السيئة التي يعيش فيها، مثل ممارسة الرياضة أو القيام بأنشطة إبداعية كالرسم والتلوين أو الكتابة، وهذه الأنشطة من شأنها أن تخلص الجسم من الطاقة السلبية وتطرد أي مشاعر سيئة.
إضافة رائعة بسمة، بالفعل الوحدة في كثير من الأحيان تكون منبعثة من أفكار ومشاعر الشخص السلبية، من التراكمات والضغوطات والصدمات التي مررنا بها، والتي تجعلنا لا نستطيع الانفتاح أو الاندماج مع من حولنا حتى وإن أبدوا اهتماما بذلك، بل البعض قد يتشكك نوايا الحب والاهتمام تجاهه فيرفض تلك المشاعر ويهرب منها رغم أنه في أمس الحاجة إليها ولكنه خائف فقط من الإصابة بخيبة أمل أخرى، أو ربما تكون عدم ثقة في النفس تدفع الشخص لأن يكون بعيدا عن الناس لأنه دائما ما يشعر بالنقص الذي يجعله يخجل من الظهور والتعبير عن نفسه.
أولًا، لم أشاهد عملًا واقعيًا كهذا المسلسل منذ مدة طويلة، وأقصد بواقعيًا من ناحية الحوارات والسيناريو والأداء التمثيلي خصوصًا (علي والقبطان)، ربما تكون هناك بعض الأحداث لغرض السياق ولكنها أيضًا مميزة ولم تضر بواقعية العمل، أكثر ما لقتني فيه واعتبره حتى نصيحة لنفسي، هي فكرة تجنب الخوف الذي يجعلنا نستسلم للوحدة في الأخير، خوف من التعارف، خوف من السؤال على أحد الأصدقاء بسبب القلق من ردة فعله، خوف من إبداء أي خطوة أولى في أي موقف، ربما اصلًا تكون هذه الخطوة هي سبب التعرف إلى العديد من الشخصيات باهداف متشابهة، وحتى لو أهداف مختلفة، مشاركة التجارب الفعلية له تأثير كبير على صحة الشخص العقلية والنفسية، تحديدًا كما حدث مع علي (مريض اضطراب الاكتئاب) هو شعر أخيرًا بوجود قيمة لحياته وتأثير فعلي، ومعها استطاع الخروج من عقدة الذنب، هذا لم يكن ليحدث لو لم يعط لنفسة فرصة أخيرة في التعامل مع شخص جديد، في رأيي عندما نشعر بتأثيرنا على الآخرين، هنا فقط يختفي شعور الوحدة المرهق.
أصلًا الوحدة وتجنب العلاقات تؤدي لتلف خلايا المخ على المدى البعيد لعدم تكون تشابكات عصبية جديدة، أي أن الانعزال هو عامل خطر مثلًا لأمراض كالزهايمر.
خوف من إبداء أي خطوة أولى في أي موقف
البنات عندنا في المجتمع أكثر ما يخافون في هذا الموضوع، فلقد تعلموا منذ نعومة أظفارهم بأن البنت لا يجب أن تبادر في أي شيء، وأن كل شيء يأتي لخدمتها بشرط أن تسكت وتسكن وتهدأ! هذا العرف معظم الناس متفقين غليه رغم غلطه الغير طبيعي. وللأسف البنت أحياناً تمشي عليه فنراها تمتثل وتقبل الشاب الذي يبادر لها لا الذي يجب هي أن تبادر معه حين ترضى خلقه، ونراها تقبل الفرع الذي يطلبه الوالد دون مبادرة منها باختيار الأصلح لروحها. وكثيرة هي الأمور المشابهة، هذا ينسف عند البنت حس الكبادرة ويجعلها برأيي الأكثر ميلاً للاكتئاب وهو الحاصل حالياً للأسف.
فلقد تعلموا منذ نعومة أظفارهم بأن البنت لا يجب أن تبادر في أي شيء.
فضلا عن حرمانها من التجارب المختلفة في الحياة وإن كانت مستعدة لها، فهي محرم عليها السفر أو العيش بمفردها أو التأخر ليلا وإن كان خارج عن إرادتها أو المبيت عند صديقة وإن كانت معروفة ومعروف أهلها وربما أيضا محرم عليها العمل أو التعليم أو يشترطون التعليم لسن معين أو العمل في وظائف معينة، حياة النساء في الوطن العربي عموما مازالت مقيدة بقوانين كثيرة تفرضها العائلات والمجتمع فتضيع حياة أغلبهم وهم يقضونها في بيوتهم يشاهدون الحياة من الخارج منتظرين فقط الشيء الوحيد المرحب به بكل حفاوة من أهلهم ومن المجتمع وهو الزواج.
هذه حقيقة بالفعل إيريني دائما الخوف من أخذ المبادرة هو العائق أمامنا في كل جوانب حياتنا، قد يكون هذا بسبب قلة الثقة في النفس التي نشأت بسبب تعرض الإنسان للانتقاد أو التنمر والسخرية والذي يتسبب أيضا في شعوره بأنه غير جيد كفاية، غير جيد كفاية لهذه الوظيفة، لهذه العلاقة، لهذه الفرصة، فيحرم نفسه حتى من فرصة التجربة خوفا من الألم الذي سيتعرض له إذا تحققت فرضا تحققت مخاوفه، كل هذا للأسف يتعرض له الإنسان في سن صغير دون حتى أن يدرك ويستمر في التعرض له لفترة طويلة تجعل من الصعب معالجة أو فهم ما يحدث بسهولة.
أرى أن الكثير من الوحدة في هذا العصر هي اختيار اكثر منها أمر تفرضه ظروف الحياة فالكثير من الناس يتكاسلون عن الاجتماعيات والتزاور، فحتى مع اختلافنا عن الآخرين فهناك الكثير من المشتركات بيننا وبين اقاربنا وزملائنا وأجد ان التساهل في رفض الناس أو قطع العلاقات لأسباب تافهة أو لا تستحق تؤدي ببعض الناس الى أن يحصروا أنفسهم في دائرة ضيقة تضيق بمرور الوقت حتى يصل الى الوحدة الكاملة، وأتذكر هنا قول الإمام أحمد بن حنبل: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.
فحتى مع اختلافنا عن الآخرين فهناك الكثير من المشتركات بيننا وبين اقاربنا وزملائنا وأجد ان التساهل في رفض الناس.
في بعض الأحيان تكون الاختلافات أكبر من المشتركات بكثير لدرجة قد تحتم علينا بالفعل الابتعاد حتى لا نضر بأنفسنا، فطبيعة البشر هي التغير، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة أو الفريق الواحد تجد أن لكل إنسان أهدافه المختلفة في الحياة والعلاقات التي تستمر هي التي تساعد كل الأطراف فيها بعضها البعض على تحقيق أهدافه ودعمه معنويا في خلال ذلك أو التي من البداية لديها أهداف مشتركة فلا تبعد أو تحيد بالطرف الآخر عن هدفه بل تشجعه عليه، أما إذا لم يتحقق ذلك فالابتعاد قد يكون للأسف ضرورة أو على الأقل تحجيم العلاقات، ولنا في ذلك شخص يريد التفوق في دراسته وصحبته بأكملها لا تهتم سوى بالترفيه عن نفسها فقط وليست لديهم أي طموحات يسعون لها، هنا ضروري الابتعاد حتى لا يتأثر الشخص بهم.
أرى أن وضع حدود واضحة للعلاقات أمر مهم جدا ويساعد على المحافظة عليها لكن لا أجد مبرر لقطع العلاقات نهائيًا في معظم الأحيان فالتغافل عن الأخطاء طالما كانت في حيز مقبول والحد من فرط التفكير في ما وراء تصرفات الآخرين وتقبل الاختلافات من وجهة نظري أمور مهمة ومهارات ضرورية في حياتنا عموما ولن تستقيم بدونها وإلا لن يكون هناك مفر من الوحدة في النهاية، لان كل الناس بهم عيوب وكلهم يخطئوا ويتعدوا حدودهم في بعض الأحيان حتى نحن لا نخلو من هذا وإذا أردنا من الآخرين التقبل والمسامحة فعلينا أيضًا أن نقوم بالمثل تجاههم.
طالما أنه يحاول الخروج منها إذاً فهى مسببة له مشاكل كثيرة، فالإجتماعيات غالباً ستكون صعبة عليه ولا أحد يفهمه فأنصحه بفهم نفسه والتواصل معها بشكل يومي وإن فهم نفسه وعرفها ينقصه بعض المهارات الإجتماعية التى من خلالها يمكنه الإنخراط فى أى مجتمع صغير كان أم كبير.
ينقصه بعض المهارات الإجتماعية التى من خلالها يمكنه الإنخراط فى أى مجتمع صغير كان أم كبير.
هل ترشح أي طريقة معينة يمكن من خلالها أن يدرك الشخص ما ينقصه ويتعلمه، كتاب مثلا أو شخص مختص يقدم دروس حول الأمر؟
أن يدرك الشخص ما ينقصه ويتعلمه،
هذه لن تتم إلا بطريقتين:
- الاولى والتى أحبذها: ورقة وقلم وحاول تفهم نفسك إجلس مع نفسك حتى بدون ورقة وقلم وراجع يومك. مع القرأة والكتابة ستدرك الكثير والكثير عن نفسك وما ينقصك وهكذا.
- الثانية والتى قد تتاح للبعض والبعض لا: (صديق مقرب أو طبيب نفسي) يساعدك فى أن تعرف نفسك فتحكى له موقف أنت مررت به ويعلق عليه وأن يكون داعماً لك أهم ما فى الأمر ليس محبطاً.
إذا علمت ما ينقصك هناك ألف ألف طريق لتتعلم أى شئ عن كل شئ.
ليس كل الناس قادرون على التصالح مع وحدتهم و العيش بسعادة مع ذواتهم .. هي قدرة تعطى لبعض الصنف من البشر فقط و هم الذين يستطيعون العيش بشكل مجرد مستغنين عن وجود الآخرين بدون أن يشعروا بالوحدة .. بل إن وجود البشر بكثرة يزعجهم و يفسد حياتهم لأنهم لا يتحملون العيش بين أعداد غفيرة و مكررة من البشر .. هم يفضلون العيش في جماعات صغيرة منعزلين تماما عن كل ما يسبب لهم إزعاجات .. بالنسبة لنا كأشخاص إجتماعيين نحن نحتاج إلى الجماعة و إلى الأسرة حتى نلبي الحاجة إلى الأمان و إلى الإنتماء و أيضا حتى نبعد مشاعر الملل و الفراغ الروحي .. و تعويد أنفسنا على الوحدة هو تحدي صعب جدا و معاكس لفطرتنا و لحاجتنا الغريزية ..
هي قدرة تعطى لبعض الصنف من البشر فقط و هم الذين يستطيعون العيش بشكل مجرد مستغنين عن وجود الآخرين بدون أن يشعروا بالوحدة.
لا يوجد شخص يستغني بنفسه عن البشر، الإنسان في طبيعته يحتاج دائما لمن يؤنسه ويدعمه ويقف بجانبه، الفرق بين أنماط البشر أن هناك مجموعة تفضل الحصول على ذلك مع مجموعة قليلة من الناس تستغني بها عن البشر، لأنهم يهتمون بتكوين علاقات أكثر عمقا ودفئا أكثر من العلاقات القائمة على المصالح والمتعة اللحظية، ولهذا قد تجد زميل لك في المدرسة مثلا يدخل الفصل وهو غير مهتم بالتعرف إلى أحد إلا إذا بادر أحد بالتعرف عليه وارتاح له، وشخص آخر أول ما يدخل يميل للتحدث والتعرف على الجميع ولا يكتفي أبدا بمجموعة واحدة، وفي النهاية كل واحد يستمتع بالحياة على طريقته، ولكن المشترك بينهما أنه قد تأتي عليهم فترات يشعرون وأن الجميع قد تخلى عنهم أو ربما عانوا كثيرا في حياتهم لدرجة فقدوا كل ذرة من طاقتهم للتواصل مع الآخرين فغرقوا في عزلتهم لا يعرفون كيف يخرجون منها، ودائما ما يكون الأمر أصعب على الحالة الأولى التي لا تهتم بمبادرة التعرف على الآخرين، لأنهم فور أن يخسروا جماعتهم المقربة قد لا يحالفهم الحظ في العثور على غيرهم.
إذا أصبحت العزلة أفضل في اعتقاد الإنسان من مخالطة المجتمع فإنه يختارها كملاذ لنفسه هربا من المشاكل و الضغوط و التوترات و الحساسيات .. أعتقد أن العزلة هي خيار أولئك الذين لا يجدون راحتهم مع الناس .. و ربما هذه هي سنة الحياة و سنة الخالق في خلقه ..
بالنسبة لهذا :
و في النهاية كل واحد يستمتع بالحياة على طريقته، ولكن المشترك بينهما أنه قد تأتي عليهم فترات يشعرون وأن الجميع قد تخلى عنهم أو ربما عانوا كثيرا في حياتهم لدرجة فقدوا كل ذرة من طاقتهم للتواصل مع الآخرين فغرقوا في عزلتهم لا يعرفون كيف يخرجون منها، ودائما ما يكون الأمر أصعب على الحالة الأولى التي لا تهتم بمبادرة التعرف على الآخرين، لأنهم فور أن يخسروا جماعتهم المقربة قد لا يحالفهم الحظ في العثور على غيرهم ..
هذا النوع هم أولئك الذين وثقوا في الناس و لكن الناس خذلوهم و لم يبادلوهم نفس الثقة و نفس الأخلاق السامية ..
فإنه يختارها كملاذ لنفسه هربا من المشاكل و الضغوط و التوترات و الحساسيات.
هذا في حد ذاته مشكلة أخرى، الهروب ليس علاج المشكلة لأن المشكلة التي تحدث هو أن الإنسان يجد نفسه يتأذى بشكل أو بآخر من الناس الموجودين في حياته حاليا فلا يكتفي بالابتعاد عنهم فقط ولكن يبتعد عن الناس جميعا، بمعنى أنه يعمم حكمه من خلال تجاربه على كل التجارب والفرص المستقبلية التي قد توضع أمامه، فيكون لسان حاله مثلا طالما رفضني أو آذاني هذا الصديق، فلا توجد صداقة حقيقية وكل الأصدقاء سيئيين، أنا سأكتفي بنفسي ولا أحتاج لأحد، وهذا خطأ لأننا شئنا أم أبينا نحن نحتاج لأحد، لا يوجد إنسان يمكن أن يكتفي بنفسه على الدوام لدرجة أن يستغنى تماما عن الآخرين، والمشكلة الأكبر انه حين يدرك ذلك لن يعود يعرف كيف يعالجه وكيف يتواصل ويخلق علاقات طيبة وأمنة مع الآخرين.
ما يجعل الشخص الإنطوائي مثلا يخفق في الإندماج مع المجتمع و يخفق في تكوين صداقات و روابط متينة هو الاختلافات و التباينات بينه و بين أغلبية المجتمع في الشخصية و في القيم و في أسلوب الحياة و في طرق التفكير و في كثير من الأشياء .. لا يمكن أن يجد راحته و نفسه و المعنى من حياته وسطهم فهم يعيشون في عالم مختلف عن عالمه الخاص و كثيرا ما يرون غرابة الأطوار منه و كثيرا ما يراهم هو سطحيين جدا و ماديين و غير مرتبين و غير واضحين بالنسبة له في أغلب الأحيان .. لذلك يخشى من عواقب التصادم مع المجهول و من إساءات الفهم و من التنمر و المضايقات و ربما التهديدات لذلك ينكفئ على نفسه و يعتقد أن الإعتزال أرحم له و أسلم لصحته و راحته النفسية .. و يقرر أن يحد من تعامله مع الناس إلى الحد الأقصى و يختزله في المصالح المهمة جدا .. أعتقد أن ظهور الأنترنت و مواقع التواصل و التفاعل الرقمي هو الشيء الوحيد الجيد الذي استطاع أن يقدم متنفسا و حياة تفاعلية تناسبهم و تناسب طرقهم في التواصل و في إخراج مكنوناتهم و مشاعرهم عبر الكتابات و الخواطر و النقاشات و حتى الألعاب و ممارسة هوايات الرسم و التصميم و البرمجة و المونتاج .. الخ
بالنسبة للتعميم يعتبر من التشوهات المعرفية بالفعل و قد عانى منه الكثير ممن تابعت مواضيعهم و فيديوهاتهم قبل سنوات قليلة مضت أثناء سعيي و بحثي عن معارف تساعدني بدوري في ترقية وعيي و تعميق فهمي للحياة و كذا التخلص من عوائقي و حواجزي النفسية .. أظن أن الاستماع إلى فيديوهات تحفيزية كان له مفعول رائع في تحسين حالتي في كثير من الفترات التي كنت أصاب فيها بالإحباط و انعدام الأمل ..
أود أن أضيف على كل نصائح المساهمين أن الوحدة الاختيارية تكون أحيانًا عرضًا من أعراض الاكتئاب الذي ربما لو تمكن الشخص من علاجه لسارع في العودة إلى الانخراط في الحياة الإجتماعية، لذلك لا يجب إهمال الجانب الطبي والنفسي في التعامل مع المشكلة. خاصة إن كان الفرد لا يشعر بالرغبة في القيام بأي شيء على الإطلاق ليس فقط بناء علاقات مع الأخرين أو التواصل بشكل أفضل وخلافه
هذه نقطة هامة أمنية، الوحدة الاختيارية هي بالفعل أحد أعراض الاكتئاب حيث يشعر الإنسان بأن طاقته قد تم استنزافها وفقد شغفه بكل شيء حتى أنه لم يعد يستمتع بالأشياء التي كان يستمتع بها وهذا يشمل بالطبع جميع الأنشطة الاجتماعية والترفيهية التي يتشاركها مع الأصدقاء والمقربين، ولأن إحساس الذنب يكون قوي في هذه الحالة، يشعر المصاب بالاكتئاب بالذنب لمجرد وجوده وسط الناس وهو لا يستطيع أن يشاركهم متعتهم ويشعر أنه يثقل بوجوده عليهم، فيكون الحل لتجنب الإحساس بالذنب ولتجنب الإحساس بالألم من فكرة تصديقه أن مخاوفه حقيقية هو الابتعاد عن الآخرين.
ولكن الأسوأ أن يكون وسط الجموع ولا يجد لنفسه مكانًا بينهم
فلماذا إذا يطيل البقاء؟
هل تنمو النبتة في غير تربتها؟ وإذا ما علم المزارع أنها ليست تربتها وأن هذه البيئة ضارة لها، أفلا يكون جانياً إذا ما تركها؟
برأيي قد يكون الإنسان هو الجاني على نفسه، وقد هو أكبر سببٍ في وحدته، لماذا يترك نفسه وسط هذه البيئة المؤذية حتى ينطفئ نور بهجته، ويخفت بريق عينيه؟
ثم في النهاية ينزوي بين زوايا غفته في الظلام وحيداً.
ألم يكن من السهل عليه تغيير بيئته فوراً؟
فلماذا إذا يطيل البقاء؟
قد يبدو متناقضا ولكن السبب هو الخوف من الوحدة، تخيل مثلا أنك انتقلت للتو لمدرسة جديدة وزملاء فصلك جميعهم لديهم اهتمامات مشتركة حول أشياء معينة أنت لا تهتم بها أبدا ولكن في نفس الوقت لا تريد أن تكون الشخص المنبوذ غريب الأطوار الذي يجلس بمفرده وليس لديه أصدقاء، إذا ماذا سيفعل؟ سيضطر للإندماج فقط ليشعر أنه ينتمي إلى أحد أو إلى مجموعة ما، ولكن أثناء فعله لذلك سيخسر نفسه وسيجد أنه لم يحقق ما أراده من البداية لأنه مازال وحيدا وسبب وحدته هي تلك المجموعة التي اختارها.
عزيزتي رنا،
أصبحت الوحدة في هذه الأيام صديق مخلص لا يرغب في فراقنا. تكمن المشكلة في المادية التي أصبحت الحياة عليها، وصعوبة الحصول على المعاش، وغيرها من المشاكل الاقتصادية والسياسية وطبعاً الهاتف المحمول الذي زاد الوحدة وحدة.
وحتى لا أكون سلبية فأقدم أحد المقترحات للتقليل من الإحساس بالوحدة وهو تربية حيوان أليف قطة كلب أو غيرها، أو زراعة مزروعات. هذه الأمور تجلب الراحة والسكينة للنفس وتقلل من الأحساس بالوحدة.
هذه الأمور تجلب الراحة والسكينة للنفس وتقلل من الأحساس بالوحدة.
اقتراحات رائعة بالفعل، أعتقد أن ذلك مفيد ليعين الإنسان على الصبر قليلا على وحدته ولكن لن تخرجه منها بشكل كامل، فيمكن اعتبار الحيوان الأليف هو صديق لطيف لا يغني عن البحث عن صديق آخر يؤنس وحدة الإنسان ويعينه على الحياة بمشاكلها وأعبائها، ويجدون معا متنفس للضحك والسعادة حتى في أكثر الأوقات اضطرابا.
التعليقات