تخيل أنك تجلس الآن في قاعة عرض سينما أو مسرح، ما هى العوامل التي من شأنها تشتيت انتباهك عما تشاهد؟ حددت هذه العوامل؟
حسناً.
تخيل أنك تجلس في منزلك أمام شاشة التلفاز وتشاهد أحد المسلسلات التليفزيونية، وقم بتحديد عوامل التشتيت من حولك... انتهيت؟ هل اكتشفت الفرق بين مشاهدة أحد الأعمال الفنية داخل قاعة عرض مخصصة لهذا الغرض أم مازلت تفكر؟
حسناً... دعنا نناقش الأمر معاً، ليتضح بصورة أكبر.
عندما تكون جالساً في إحدى قاعات العرض لن تجد إلا القليل جداً من المشتتات حولك، كصوت أكل الفشار، أو رنة تليفون أحدهم والتي يقوم بإلغاءها سريعاً، أما عندما تكون جالساً في المنزل، فستجد الكثير من المشتتات حولك، حركة أفراد أسرتك وأحاديثهم، ضوضاء الشارع أو الجيران، الهاتف الأرضي أو المحمول، رغبتك في إحتساء مشروب أو تناول وجبة سريعة، وجود أشياء تقوم بإنجازها، والكثير والكثير من الأمور التي يمكن حدوثها أثناء العرض التليفزيوني، هذا بالإضافة للإضاءة المشتعلة حولك، بعكس قاعة العرض المظلمة، ومن هذا نستنتج أن طبيعة العروض التليفزيونية تختلف عن العروض المسرحية والسينمائية، وهذه الطبيعة هى التي تحتم على الكاتب مراعاة قوانين وعناصر الدراما التليفزيونية، حتى يستطيع جذب انتباه المشاهد.
فعليه أن يكون ملماً بتفاصيل العمل، كالإضاءة والديكور والملابس، والصوت بطبقاته وأبعاده، وطبيعة العمل في الأستوديو... الخ، وليس بالضرورة أن يكون خبير في جميع هذه العناصر، إنما تكون لديه خلفية عنها تمكنه من إحداث تناغم بين ما يكتبه على الورق، وما سيتم عرضه على الشاشة.
تقع الدراما التليفزيونية في منطقة وسطى بين المسرح والسينما، فهى عند نشأتها أخذت بعض ملامح عناصر المسرح، ثم عند ظهور السينما طورت من نفسها وإستخدمت إمكاناتها بما يتناسب معها، فالحركة في التليفزيون -وللتبسيط فقط يمكن تسميتها مدة المشهد- لا تتمتع بالسرعة الموجودة في حركة المشاهد السينمائية، ولا تظل لفترات طويلة داخل منظر (مكان) واحد كما هو الحال في المسرح، فيمكن أن نجد مشهد مسرحي واحد يستغرق 15 دقيقة أو أكثر، أما في التليفزيون فلا يجب أن يزيد عن خمس أو ست دقائق على الأكثر، وفي السينما يكون أقل من ذلك، فيمكن أن يستغرق مشهد سينمائي نصف دقيقة، ولا يتعدى الثلاث دقائق على أقصى تقدير.
وما يحدد عنصر الحركة هذا، طبيعة كل عمل منهم، فالمسرح يعتمد على الحوار أكثر من الصورة، حيث أن الجمهور لا يمكنه مشاهدة تعبيرات ملامح الممثلين بوضوح، ولغة جسدهم وإيماءاتهم، فيلجأ صناع المسرح للإعتماد على الحوار، لإيصال مضمون العمل للمشاهد، بينما السينما تمتلك كاميرات تمكنها من التركيز على الملامح وأجزاء الجسد، فلا تضطر لتوضيح جميع الأحداث ومشاعر الشخصيات عن طريق الحوار، فيمكن للقطة مقربة على الوجه إختصار الكثير من الكلام، أما التليفزيون فيقع في منطقة وسطى بين هذا وذاك، فهو لا يطيل الأحاديث مثلما يحدث في المسرح، حتى لا يمل المشاهد ويقوم بتغيير محطة الإرسال، ولا يختصر في الحوار ويعتمد على الصورة مثلما يحدث في السينما، ليمكن المشاهد الذي يجلس في منزله وحوله الكثير من المشتتات أن يتابع أحداث العمل.
فالمشاهد المنزلي يمكن أن يتصفح الجرائد أو مواقع التواصل الإجتماعي أثناء المشاهدة، أو أن تقوم ربة المنزل بتفصيص البازلاء وتعتمد على الإستماع أكثر من النظر للشاشة، فيجب أن يراعي كاتب الدراما التليفزيونية طبيعة المشاهدة المنزلية، بدون إطالة حوارات المسرح أو اختصار مشاهد السينما.
كما أن الأحاديث الطويلة تشكل عبئ على الممثل والمخرج، حيث أن المشهد التليفزيوني يوجد به شخصيات أخرى بخلاف الشخصية التي تتحدث، فإن استحوذت شخصية واحدة على معظم المشهد من خلال حديث طويل، فماذا عن باقي الشخصيات؟!
عنصر الحركة هذا هو أهم العناصر التي تميز الدراما التليفزيونية عن المسرح والسينما، وهو العنصر الذي من شأنه إنجاح العمل أو القضاء عليه.
هل لاحظت هذا الفرق الجوهري في الدراما التليفزيونية من قبل، وما هى المسلسلات التي تفضلها؟
التعليقات