نعم، لا تندهش، فقط حدث ذلك بالفعل، وفي تجربة غير مسبوقة بالمرة! من المقرر أن نشهدها في الحلقة المنتظرة اليوم 28 ديسمبر من مسلسل«Black Mirror» بعنوان: «Bandersnatch».

فقد قالت شبكة «نتفيلكس» عن الحلقة إنها ستكون بمثابة «فيلم تفاعلي مع المشاهد مدته 5 ساعات»!

أرجوك لا تُصاب بالضجر وتحكم سريعًا بالملل عليها، فهُنا تأتي اللعبة والخدعة معهًا. فالحلقة الطويلة هذه منها ساعة ونص هي مدة الحلقة، والباقي للسيناريوهات والأحداث التي سوف يختار منها المشاهد.

بمعنى أن مدة الحلقة ستكون 90 دقيقة، ولكن مدتها الفعلية ستكون 312 دقيقة، أي ما يقارب الـ5 ساعات، بحيث يستطيع المشاهد تحديد مصير الشخصيات، عبر التحديد المسبق لاختياراتهم كما في ألعاب الفيديو، وكل خيار تختاره سيضعك في مشهد مختلف بحسب اختيارك.

فمثلًا عندما تكون الشخصية أمام عدة اختيارات؛ هيكون في إيدك وأنت جالس مكانك أن تختار لها الخيار الأصح أو الأنسب من وجهة نظرك، لتمضي الأحداث وفقًا لاختيارك، فيكون أمام المشاهد اختياران فإذا اختار الأول يؤدى به إلى مسار، وإذا أختار الثاني يؤدى به إلى مسار مختلف تمامًا.

المقطع التشويقي للحلقة:

وتدور الأحداث حول مبرمج شاب في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، يواجه تحديًا عقليًا، حيث يبدأ في استجواب أحداث الواقع، بينما يقوم هو بتكييف رواية خيالية مترامية الأطراف في لعبة فيديو.

ولما كًل هذا العناء؟!

مع هذه الفكرة ستصبح قرصنة الحلقة مستحيلة. الحالة الوحيدة الممكنة للقرصنة حتى اللحظة هي أن يتم اختيار سياق معين للأحداث وتسجل الحلقة على أساسه، لكن تجربة المشاهدة ستكون مشوهة جدًا ومنقوصه.

واذا كان التوجه العالمي نحو انتاج المزيد من البرامج التفاعلية، معناها قريبًا جدًا ستنتهى القرصنة بشكلها المُعتاد.


أذن.. وما دخل العرّاب في ذلك؟

دعني أقول لك أن هذه الفكرة، أن تخرج من دور القارئ لتتحول إلى دور المؤلف، مع فكرة تعدد مصائر الشخصيات وفقًا لتعدد اختياراتها، قد صادفتها من قبل في رواية للمبدع الراحل«د. أحمد خالد توفيق» رحمه الله عليه، بعنوان: «في كهوف دراجوسان» ضمن سلسلة ما وراء الطبيعة.

كلمة الغلاف الخلفي للرواية:

لقد جعل «د. أحمد خالد توفيق» عرّاب جيلنا الأمر في الرواية شبيه بكتابة برنامج أو تصميم لعبة إلكترونية. حيث جعل القارئ هو المتحكم في هذه القصة، وهو الذي يحدد نهايتها، فهو صانع القرار والمسئول عن اختيار مسار البطل، وبالتالي تحديد مصيره ضمن الأحداث بنفسه.

وبالطبع يجب عليه أن يتحلى بالحكمة والرؤية الثاقبة؛ حتى لا يتسبب في كارثة لـ د. رفعت إسماعيل بطل الرواية العجوز.

فتدور أحداث الرواية حول بطلة السلسلة «د. رفعت» الذي يجد نفسه أمام أحد متاهة الكهوف في هذه قرية أسكتلندية، وتتوارد الحكايات القديمة عنها بإن شعب كان يعيش تحت الأرض بداخل تلك الكهوف، التي أغلقت مدخلها جميعًا منذ مئات السنين، وصار من العسير رؤية أي فتحة مؤدية لها.

غير أن قدر بطل روايتنا البائس يجعله يدخل إلى تلك الكهوف، بعد ظهور الفتحة العجيبة التي تتسع يومًا بعد يوم في أحد الكهوف، ليبدأ منها رحلته مع الاحتمالات المتعددة التي تقف وراء كُل منفذ بداخل تلك الكهوف منها.


وهكذا تلامست حلقة «Black Mirror» مع رواية «في كهوف دراجوسان» في الفكرة والطريقة والأسلوب بل والمعالجة أيضًا، لقد استمتعت منذ سنوات عديدة بالرواية، وأعجبتني فكرتها جدًا، والآن أتوق لرؤية تلك الفكرة مجسدة على الشاشة.

إلا ترى معي كيف استعانت «نتفيلكس» بالعرّاب «د. أحمد خالد توفيق» واقتبست منه الفكرة في حلقتها المنتظرة...