تتبنى كوريا في الفترة الأخيرة حملة تصفية في الوسط الفني الخاص بها؛ لاستبعاد وطرد أي ممثل أو ممثلة يثبت تورطهم في حالات تنمر، أو إساءة، أو عنف بكل حالاته حتى وإن كانت الحوادث قد مرت عليها سنوات، ولم يحاكم عليها الشخص بشكل قانوني، والجدير بالذكر أن هذه الحملة أنهت مسيرة وشعبية عدد من المشاهير بشكل نهائي ولا رجعة فيه، وهذه الأخبار خلقت لدي بعض الحيرة حول مدى صواب هذه القرارات، فمن جهة هي تبدو هادفة وعادلة كونها تمثل عقاب لشخص يستحق العقاب، ولكن من جهة أخرى أجد أن من الظلم قليلًا معاقبة إنسان على أخطاء ارتكبها في الماضي، وربما ندم عليها ولم يعاود تكرارها، وفكرت لو أن هذه الفكرة تم تطبيقها في مجالات العمل المختلفة هل كان ليتبق عدد كافي من الموظفين للقيام بالأعمال؟! فالإنسان بالأخص في مراحل طفولته ومراهقته لا يكون بالنضج الكافي ليتدارك مسؤولية أفعاله، فإن لم أعلمه إياها أو أحاسبه عليها وقتها أيحق لي محاسبته عليها الآن؟!
استبعاد إنسان من مجال عمله محاسبة له على أخطائه الشخصية في الماضي. مع أم ضد؟
تذكرت حادثة ممثلة مصرية قامت بتعذيب طفلة وأختها كانتا تعملان كخادمات في منزلها وتم القبض على الممثلة وتم معاقبتها وبالتالي توقفت عن العمل في المجال الفني، وبعد سنوات ظهرت مرة ثانية على الساحة الفنية تبكي وتنشد بأنها نادمة على هذا الفعل وإلى آخره، فلو نظرنا لتلك الوقعة فهي ليست بسيطة على الإطلاق حتى لو قدم الشخص الندم وقد أخذ عقابه، لأنه بالنظر إلى القوانين لو ترك هذا الشخص بعد فترة عقابه يمارس مهنته بشكل اعتيادي فهذا سيصنع صورة ذهنية في المجتمع أنه من الطبيعي الفرار بجريمتك بعد أن تقضي عقوبتك، وهذا غير صالح في حالة الشخصيات المشهورة والبارزة لأنها ستؤثر على وعي الأجيال. لذا القانون لو كان سيطبق على الأشخاص طالما كان تم إدانته وطالما أنهم لم يمنعوه من حقوقه في المجتمع كأي إنسان ولكن فقط عقوبة عدم مزاولة المهنة وهي عقوبة ليست جديدة العهد بالمناسبة فأرى أن القانون هنا صالح للاستخدام وبمثال أخر هل من الممكن ان تثقي في طبيب غير مهني وغير أخلاقي حتى بعد أن قضى عقوبته واعتذر عما بدر منه؟ وبشيء أخر له علاقه بالفن هل تقبلتي مثلا عودة المخرج المصري الشهير الذي قام بأفعال غير أخلاقية تسببت في مشاكل وفضائح وتدمير حياة اثنتان من الممثلات الشابات؟ وحتى بعودتهم في المجتمع نفسه لم يقبل عودتهم.
أنا مع الحرية بكل صورها ولكن أن تأذي إنسانا وتستمر في عملك وشهرتك وحياتك كأن شيء لم يحدث ويتم بناء صورة ذهنية عن أنه من المنطقي أن تفلت بعقابك فهذا لا أفضله.
أنا مع الحرية بكل صورها ولكن أن تأذي إنسانا وتستمر في عملك وشهرتك وحياتك كأن شيء لم يحدث ويتم بناء صورة ذهنية عن أنه من المنطقي أن تفلت بعقابك فهذا لا أفضله.
يجب أن يدفع الثمن، ولكن على المجتمع أن يقبله عند لحظة معينة ويغفر له ما بدر منه، فيكفيه أن يشعر بالتهميش وغضب المجتمع عليه لفترة طويلة. أليس هذا كافيًا؟ هل عليه أن ينتحر وينهي حياته أم يظل طول عمره حاملًا هذا الذنب؟
الجميع يخطئ ولكننا مستورون فقط. الفرق في حالة الوسط الفني أن الخطأ يصبح فضيحة.
طالما أنه أخذ العقاب الكافي والرادع فحتى وإن لم نحبه أو نتقبله على المستوى الشخصي فهو لديه حق مثله مثل سائر أفراد المجتمع في العمل والحصول على فرص متساوية، ولكن لو كان مجال عمله يحتم عليه أن يكون مؤثرا في الآخرين كالمجال الفني، فهنا لا أجد ضرورة لإعادته لسابق عهده بتمجيده أو اعطائه نفس الاهتمام والمكانة من قبل.
فيكفيه أن يشعر بالتهميش وغضب المجتمع عليه لفترة طويلة. أليس هذا كافيًا؟ هل عليه أن ينتحر وينهي حياته أم يظل طول عمره حاملًا هذا الذنب؟
هذه هي المشكلة أن الوسط الفني يجعله محط الأنظار، ولا أقول أن يتم تهمشيه يمكنه العمل في مجالات مختلفة وهذا دور المجتمع في تقبله فمن المفترض أن هنالك جهات حكومية تقوم بكتابة التوصيات له ليعمل وعلى المجتمع تقبله ويمكنه أن يقدم نفسه للمجتمع في صورة جديدة ولكن لا أؤيد عودته لنفس مهنته نظرا لحساسية هذه المهنة والصورة التي سوف تصنع حوله.
أنا أتفق معك، ولكن الفارق هنا ونقطة الاختلاف كان توقيت العقاب، نحن لا نتحدث عن جرائم مستحدثة يرتكبها الإنسان في الوقت الحالي، نحن نتحدث عن سلوكيات أولا غير مدعمة بالأدلة بشكل كافي، ثانيا ارتكبها الإنسان في مراحل طيشه وعدم نضجه، تخيل شخص ارتكب سلوك خاطئ وهو في المدرسة الثانوية ولم يعاقب عليه وقتها، ولكنه كبر ونضج وتوقف عن فعله، وأصبحت لديه حياة ومسيرة مهنية جيدة، وفجأة أهدم له كل ذلك من أجل خطأ ربما لا يتذكره حتى! هذه هي الحالة التي أتحدث عنها.
أما مثالك مثلا عن الممثلة التي عذبت فتاتين أو المخرج المقصود والذي لا أحبه أنا أيضا بالمناسبة فهؤلاء أشخاص ناضجبن عمريا وفكريا واستمرارهم في فعل هذه الجرائم يجب أن يُقابل بأقصى عقوبة.
أعتقد أن مثل ذلك التصرف هو ضريبة على الشخصيات القيادية والمؤثرة، لسببين: أولهما ألا يُباح نموذج الشخصية المشهورة التائبة، بأنه جائز أن تكون سيئا، وحين ينصلح حالك فكأن شيئا لم يكن، فهو يعطي قدوة سيئة. والسبب الثاني أن في هذه التصرف عبرة لمن يتعظ، وأن على من لديه طموح أن يكون على قدر المسؤولية.
أما في الوظائف والأعمال الطبيعية؛ فلا وألف لا، فإن اتُبِع هذا النهج يصير كأننا نقوم بحملة إبادة حين لا نترك فرصة للتوبة والندم.
طب ماسهل كدا إن حد يلفقلى تهم وأترك عملي بسببها إفتراءاً وكذبا، وفين الغفران وفين التوبة لا طبعاً ضد.
بالفعل في الحالة التي نتحدث عنها، فلا توجد أدلة أكيدة تثبت تورط الأشخاص المعنيين في هذه الجرائم، ولكن الأمر بأكمله قائم على مبدأ السمعة، بأن يشهد عدد من الأشخاص أن فلان كان متنمر أو يضرب زملائه أو يستغلهم وهكذا، في حالة المشاهير من السهل جدا لإشاعة واحدة أن تدمر حياتهم للأبد، لأن عملهم قائم في الأساس على الشعبية، إذا خسروا شعبيتهم سيتم تنحيتهم من المجال، ولكن لو في أي مجال آخر فلا تكفي مجرد أقاويل لطرد أي إنسان من وظيفته طالما لا يوجد دليل يدعم هذا الأمر، ولكن تخيل لو أنهم أرادوا تطبيق نفس المبدأ في كل المجالات! هل تعتقد أنه يوجد أحد منا لم يخطأ عندما كان مراهق؟ الأمر عبثي جدا.
التعليقات