في فيلم قادم جديد للممثلة منى ذكي ستقوم بتمثل دور أم كلثوم، ليكون ذلك إعادة تجسيد قصة حياة أحد أهم فنانات مصر، وعمل آخر لنفس الممثلة بتجسيد قصة حياة فنانة أخرى، ولن أسلط الضوء على هذا العمل تحديدًا فهو لم يصدر بعد، ولم نشاهده حتى نحكم، ولكنني أريد مشاركتكم رأيي في ذلك النوع من الأعمال بشكل عام، فللأسف أنا لا أجد لها أي قيمة تذكر، وأجدها مجرد استغلال لاسم فنان مشهور وله جماهيرية لجذب جمهوره مما لديهم الفضول حول تفاصيل حياته وبالأخص الجانب الشخصي منها، وفي وسط روايات وأوقاويل من هنا وهناك يتم إعادة سرد قصة حياته وفقا لدماغ المؤلف وبما يخدم الحبكة الدرامية، فتقع الكثير من المغالطات والمبالغات التي لا أعتقد أن أي شخص سيحب أن تسرد قصة حياته على هذا النحو، فماذا عنكم؟ ما رأيكم في ذلك النوع من الأعمال؟
فيلم الست: لماذا أنا ضد أعمال تجسيد الشخصيات الواقعية!
طرحك هذا مهم جدا خاصة في ما يتعلق بالمغالطات والمبالغات التي قد تنتج عن دمج الواقع بالحبكة الدرامية. ومع ذلك، لا يمكننا إنكار أن هذه الأعمال إذا أُنجزت بموضوعية وحرص، قد تساهم في إحياء إرث شخصيات عظيمة، خاصة للأجيال التي لم تعاصرها.
(لا أقصد الفنانة المذكورة تلك.. لكنني تناولت الموضوع بشكل عام) المشكلة تكمن في تحول بعضها إلى وسيلة لاستغلال الفضول الجماهيري بدلًا من تقديم صورة متوازنة وعميقة وأقرب للحقيقة.
قد تساهم في إحياء إرث شخصيات عظيمة، خاصة للأجيال التي لم تعاصرها.
ربما لو كانت شخصيات تاريخية أحدثت تغييرات كبيرة في العالم، سيكون العمل الفني ذو قيمة وهدف بالفعل، ولكن ما الهدف من تجسيد حياة فنان سابق مثلا! مع احترامي الكامل للإرث الفني لكل شخص ولكن العمل الفني عن قصة حياته لن يعكس أو يركز على ما تركوه من فن، هو يتناول حياتهم بشكل عام من مواقف وتجارب كثير منها قد يكون يحدث مع أغلبنا بشكل يومي، فضلا عن المبالغات والمغالطات التي تضاف للقصة، فأستغرب كثيرا مشهد لبطل العمل وهو يحاور نفسه أو يدور في عقله حديث! سؤالي لصانع العمل، من أين علمت أن الفنان الراحل قد فكر بما كتبته ونقتله للمشاهد!! لماذا تتحدث باسمه وتعطي انطباعات عنه قد لا تكون حقيقية بالمرة! أليس هذا عدم احترام واقتحام خصوصيات آخرين!
أظن أن أفلام السيرة الذاتية تتدخل بها الحبكة الدرامية وأسلوب السرد بشكل كبير بهدف أساسي هو خدمتها ، تنجح في العادة أفلام السيرة الذاتية الأجنبية لأن أغلبها أولاً تحترم بشكل كبير السردية الأساسية للقصة أو ما عرف عنها في الحقيقة ، وثانياً بالتركيز على جزء معين من تاريخ الشخصية وليس بالضرورة السرد من الولادة وحتى الممات و عند التركيز لا تظهر الشخصية بصورة ملائكية كاملة أو صورة شيطانية كاملة تظهرها بما تحمله من مميزات وعيوب وهو أمر شديد الأهمية ، وثالثاً لأنها لا تبخل بتجسيد الحقب التاريخية كما كانت في الحقيقية (لذا غالباً ما تنجح) بعكس ما يحدث لدينا لأننا لا نحترم أياً من تلك العناصر المذكورة إلا في عناصر قليلة من الأفلام مثل (عمر المختار - الرسالة - ناصر 56 ) وهي أقرب أفلام يمكن إطلاق عليها أنها سيرة ذاتية ، وتاريخنا يحمل الكثير من الشخصيات المهمة التي يستحق الحكي عنها ومنها أم كلثوم حيث يوجد بحياتها الكثير من القصص التي قد تشكل حبكة درامية قوية جداً مثل تعقيدات علاقتها بالسلطة أو محاولة أغتيال عصابات اليهود لها ، ولكن لا أعتقد أنهم سيهتمون بهذا الجزء من تاريخها .. لأن أغلب الصناع (جبناء) لا يمكن لهم القيام بمخاطرات بسرد تلك القصص .. ربما سيكتفون بسرد محطات نجاحها وجمعها من حفلاتها أموال لتمويل الجيش المصري وهو أمر جيد ولكن الجميع يعرفه .. وأنا لا أجد أننا قادرين على تقديم أفلام سيرة ذاتية تحترم حقاً سيرة أصحابها.
ولكن لا أعتقد أنهم سيهتمون بهذا الجزء من تاريخها .. لأن أغلب الصناع (جبناء) لا يمكن لهم القيام بمخاطرات بسرد تلك القصص .. ربما سيكتفون بسرد محطات نجاحها وجمعها من حفلاتها أموال لتمويل الجيش المصري وهو أمر جيد ولكن الجميع يعرفه .. وأنا لا أجد أننا قادرين على تقديم أفلام سيرة ذاتية تحترم حقاً سيرة أصحابها.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن إذا كنا لن نسلط جديد على قصة حياة الفنانة فلماذا نعيد تجسيد قصة حياتها وقد سبق وتم تمثيلها في أعمال أخرى أذكر منها أنها اهتمت بنشأتها وبدايتها الفنية وعلاقاتها! حتى أنني تفاجأت بالعناصر التي طرحتها من محطات حياتها واعجبتني لدرجة أنه أصبح لدي فضول لأعرف أكثر عنها، ويفاجئني أكثر لماذا لم يفكر أحد بعمل قصة تتركز على جانب مما ذكرتهم رغم أنها عناصر يبنى عليها قصص كثيرة لشخصيات افتراضية، فلماذا عندما تكون لدينا نماذج واقعية لديها هذه المواقف المثيرة في حياتها لا يتم استغلالها بشكل يعطي لصاحبها تقدير لدوره وإبراز لمعاناته!
هذا لأن الرقابة لدينا تلعب دور أكبر من الدور الذي يفترض أن تخصص له ، بمعنى يتم فرض قالب معين للمواضيع التي يتم طرحها فمثلاً أنا كسناريست لنقل أن لدي فكرة معينة سأحكي فيها مثلاُ قصة العالم المصري الجليل مصطفى حمدان ، فتذهب تلك القصة لحقوق تسجيل الملكية التي تذهب بالمقابل لجهاز الأمن الوطني الذي يقرر إن كان هذا العمل (فكرته) مناسبة أم لا ، ولنفترض أنني أهاجم من خلال تلك السردية عملية الاغتيال التي تمت على يد جهاز مخابرات الكيان المحتل حينها سيقابل النص بالرفض لكوننا في معاهدة سلام وأن هذا قد يزعج الكيان المحتل .. ونحن لا نريد إزعاجهم ... يمكنك قياس هذا الأمر على العديد من المواضيع .. فنحن لا نحب إزعاج الفاسدين بالداخل والخارج (مش عايزين مشاكل مع حد) .. لذا يسمح للفنانين الذين يسيرون وفق ذلك المسار بتقديم أعمالهم التي تظهر في الغالب جوفاء غير حقيقية أو قريبة من الواقع بأي شكل .
بشكل عام، عالميًا ومحليًا، هنالك فقر شديد في الأعمال الكتابية الأصلية الجيدة، مما يدفع الأغلبية للمعالجة أو الـAdaptation
فكل عام نشاهد الأعمال القائمة على رواية/كتاب/سيرة ذاتية أو حتى معالجة لحقبة تاريخية، تكاد تكون أكثر من الأعمال الأصلية، ولذلك سوف تستمر تلك النوعية من الأعمال، بنسخ مختلفة، ومن الطبيعي أيضًا أن المعالجة الدرامية لقصة حياة شخص لن تخلو من مبالغات أو تغيير في تفاصيل كثيرة، أخر أبرز الأعمال فيلم Oppemheimer مثلًا.
رأيي في الحالة نفسها أنها فعلًا لا تحمل قيمة كبيرة، وتعبر عن فقر إبداع كما قلت، ولكنها شيء طبيعي في النهاية فغالبية الأفلام الصادرة حلال عام لا تحمل قيمة من أي نوع سوى الترفيه.
وكيف برأيك يمكن معالجة هذا الفقر الشديد في الأفكار والإبداع؟ مع العلم أنني لا أجده فقر أو عجز في إيجاد الأفكار الجيدة ولكن عدم إعطاء الفرصة لأصحاب المواهب والأفكار الجديدة لطرح وتقديم أعمالهم وأفكارهم بالشكل الذي يريدوه وبالتالي تدفن هذه الأفكار معهم، أو تبقى حبيسة داخل رؤوسهم.
رأيك لا يتعارض مع الحقيقة التي آراها، فالفقر في المنتج الكتابي الأصلي حاليًا في مدن صناعة السينما بالتأكيد أحد عوامله عدم اعطاء الفرصة للمواهب، وهذا يشمل حتى هوليوود، ولكني لا آرى الحل بتلك البساطة في عدم وجود وسيط أصلًا بين تلك المدن والشباب الراغب في الكتابة الجالس ببيته، فالمجتمعات أصبحت منغلقة مثل خلية النحل وفرصة دخول كاتب جديد تكون صعبة للغاية. لكن بطبيعة الحال نظريًا الحل يكمن في الاستثمار الضخم وصناديق التمويل للمواهب الصغيرة المكتشفة.
وفرصة دخول كاتب جديد تكون صعبة للغاية. لكن بطبيعة الحال نظريًا الحل يكمن في الاستثمار الضخم وصناديق التمويل للمواهب الصغيرة المكتشفة.
ربما يمكن للموهوبين الصغار استغلال ميزات السوشيال ميديا للترويج لأعمالهم، فالحال الآن أنك لست محتاج لشخص أو جهة لنشر أعمالك، بل هم من سيسعون ورائك إذا أقبل الناس على عملك وتفاعل معه، ولهذا حتى الكتاب الموهوبين من الممكن أن يبدأون بانتاج أعمالهم بطريقة متواضعة جدا وبصنع محتويات قصيرة حتى يبني لنفسه اسم يعرفه الناس من خلاله، ويكون خير داعم له لإثبات نفسه أمام الكبار في المجال ليحصل على فرص حقيقية أكبر.
قتلوا أم كلثوم بهذه الحكايات الممجوجة للصراحة، إما أن يصنعوا عنها شيء تاريخي لمرة واحدة وإما أن يكفّوا عن هذه المحاولات البائسة في تأطير حياتها مرة بصناعة المحتوى ومرة بفيلم ومرة بتلفزيون، يعني هذا الأمر برأيي قد أمات هذه الظاهرة في أعيننا وخاصة أن بعضهم يحاول الآن أن يضيف أبعاد سياسية واجتماعية وقداسية أيضاً عليها بقصد وبغير قصد، حتى صرت حين تقول أم كلثوم وكأنك لا تذكر مطربة عادية بل تذكر هيبة قائد سياسي ما! الشعب العربي يعشق هذه المبالغات وهذه القصص ويجب بدلاً من إخفاء هذا الرمز بهذه المحاولات البائسة أن يتم صنع كبير مرة واحدة وانتهينا، شيء اشبه بمحاولة سبيليرغ لصناعة فيلم لينكولن عن قصة حياة ابراهام لينكولن.
ولهذا أنا أكره تجسيد الشخصيات الواقعية، أفضل أن أقرأ كتاب أو مقال عنه لأعرف المهم من قصته وإرثه وكفى، أما فيلم أو مسلسل يحكي كافة تفاصيل حياته من الميلاد حتى الممات، بعلاقاته مع عائلته وأصدقائه، وعندما تعثر وهو صغير، وعندما ترك بيت عائلته وهو كبير، وكل تلك التفاصيل الدرامية التي لا تقدم ولا تؤخر ومنها ما يكون محض خيال من المؤلف من أجل القليل من التأثير والإثارة، وفي حالة أم كلثوم تحديدا لا أفهم ما الحاجة لإعادة تجسيد قصة حياتها مرة أخرى! هل الأجيال الجديدة تهتم لمشاهدة قصة عن حياتها؟ أو سيفيدهم معرفة شيء عنها؟ هل انتهت الشخصيات المؤثرة الأخرى والتي من الممكن لتقديم قصتها أن يكون ذا قيمة وتأثير أكبر؟!
التعليقات