أول مرة شاهدت هذا الفيلم كنت في بداية العشرينات وكنت منبهرا وغاضبا في نفس الوقت من تصرفات المدرس وطريقته في التعامل مع الطلبة وخاصة البطل الموهوب في اللعب على آلة الدرامز ولكنه كان يضغط عليه على حسب تفكيره ليخرج أفضل ما فيه بطريقة قاسية دفعت الطالب إلى ترك موهبته بعد كم الضغوطات التي تعرض لها من قبل المدرس، ولكنه قبل ذلك كان يتمرن لساعات طويلة حتى تورمت يداه ونزف دما حقيقا لا مجازا، وضغط على نفسه حتى حدثت له حادثة في اليوم النهائي لعرض موهبته أمام جمهور كبير من النقاد ورغم ذلك أصر على المواصلة بدوره في الفرقة ولكن تضحياته هذه وإصراره أدت إلى فشله في الأداء وضياع حلمه، كلما أتذكر هذا الفيلم أجدني أسأل نفسي إلى أي مدى يمكنني تقديم تضحيات في سبيل حلمي وهل سيكون هنالك نتيجة مرضية بالنسبة لي، وحتى الأن لم أجد إجابة على النتيجة ولكني مستعد دائما لتقديم تضحيات من أجل حلمي فمنها مثلا أنني من سنين عديدة قررت الاستقلال بنفسي والعيش وحيدا لكي لا أتعرض لأي تشتت من أي نوع وأيضا عملت فترة طويلة في وظيفتين بدوام كلي وكنت أنام مجرد أربع ساعات في اليوم لعدة أشهر لأنني كنت أجمع المال لمشروع ما ولم أندم على كل هذه الطاقة التي بذلتها والتي ما أزال أبذلها في سبيل تحقيق هذا الحلم البعيد وأعلم أن ضريبة هذا الأمر ربما تكون نتيجته لا شيء ولكني مستمر بغض النظر عن النتيجة، فهل لتحقيق الحلم يجب أن نقدم تضحيات؟ وما هي التضحيات التي ستقدمها في سبيل تحقيق هذا الحلم؟
فيلم Whiplash : لكي تنجح عليك تقديم التضحيات فما هي التضحيات التي ستقدمها في سبيل حلمك؟
الأكيد أننا لتحقيق أي هدف كبير أو هام نحتاج للتضحية بأشياء أخرى تختلف باختلاف الهدف ومتطلباته، الأهم ألا يكون الشيء الذي نضحي به أهم من الشيء الذي نسعي ورائه حتى لا نندم فيما بعد حيث لا ينفع الندم، وكمثال على كلامي هو التضحية بكامل الوقت الذي نقضيه مع عائلتنا وكل من نعطيهم القيمة في سبيل تخصيص كل حياتنا وفنائها في العمل، النجاح مغري ولكن على المدى الطويل لن يعوض تلك اللحظات التي فرطنا بها، لذا الأهم هو التوازن وتحديد قيمة الأشياء بدقة حتى نعي جيدا بماذا نضحي ومن أجل ماذا نضحي
ولكن ألا ترين أن التوازن يكون صعبا أحيانا وخاصة لو كان حلمك يتطلب منك في فترة ما أن تضحي بهذا الوقت وتعمل بكل طاقتك فأين السبيل إلى التوازن؟ والأهم برأي أنه في سبيل تحقيق هذا الحلم يجب على المرء أن يضع في عقله نقطة هامة وهي عدم التفكير بالأساس في الندم لأنه حتى لو لم يتسطع تحقيق هذا الحلم، فهو على الأقل حاول وبذل ما في وسعه لتحقيقه وندمه على هذا الوقت لن يفيد ولكنه سيزيد من حدة الأمر عليه. ما رأيك في هذا؟ وهل يمكنك التضحية بالوقت لفترة معينة مثلا أم لا؟
الموضوع الذي أثرته يا محمد جميل ويستحق التأمل ولنفصله شيئا شيئا.
ولكنه كان يضغط عليه على حسب تفكيره ليخرج أفضل ما فيه بطريقة قاسية دفعت الطالب إلى ترك موهبته بعد كم الضغوطات التي تعرض لها من قبل المدرس،
انا أتعاطف مع الطالب ولا أتعاطف مع المدرس الذي لا يفهم قيد أنملة تركيب نفسية البشر. فطالما سمعت أن " الضربة التي لا تُميتني تقويني" وفي الواقع كم ضربة لم تقتل أصحابها ولكن في ذات الوقت لم تقوهم بل أضعفتهم. يقولون أنً الشدائد تصهر معادن الرجال وتقويهم وأنا أقول وهنالك من الضغوطات و الشدائد ما تكسر ظهور الرجال إلى غير ما رجعة!! التفكير المثالي هنا مرفوض بالنسبة لي؛ فقلائل من الناس من يتحملون الضغوطات الكثيرة ويتحدونها ويتخطون العراقيل و ينجحون. أما معظمنا فهو ينجح بالطروف العادية لا المطلقة السوء ولا المطلقة الخيرية.
فهل لتحقيق الحلم يجب أن نقدم تضحيات؟ وما هي التضحيات التي ستقدمها في سبيل تحقيق هذا الحلم؟
هذا يعتمد على نوع الحلم الذي تريد أن تحققه. فليست كل أحلامنا تستحق منا أن نضحي بصحتنا لأجلها. أعتقد أن التركيز على الهدف أو الحلم فقط و العمل في كل لحظة على إنجازه يُفقدنا الشعور بروعة الحياة و يجعلنا لا نتملى تفاصيلها الجميلة. مثال ذلك كراكب القطار الذي يريد أن يصل إلى وجهة معينة فراح يشغل نفسه بها ويسأل الناس كلما وقف القطار في محطة: هل هذه وجهتي أم لم تأت بعد؟ لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم إلى راكب آخر أو ينظر إلى الباعة في القطار ولم يُملي عيونه يمينا ويساراً من الطريق ولم يعش لحظاته في رحلته تلك. كان كل همه النجاح في الوصول إلى وجهته. ثم ماذا بعد؟! فقد ذخيرة حياتية أو خبرة معيشية وتفاصيل لم تعد في الإمكان العودة إليها و اقتناصها من جديد لأن القطار كان قد وصل إلى وجهته! برأيي علينا أن نسعى لتحقيق حلمنا ولكن على ألا ننسى روعة تفاصيل الحياة ونتأملها. وبرأيي أيضاً، ليس هناك من أحلامنا جميعاً ما يستحق تحقيقه أن نفقد صحتنا لأجله أو حتى نغضب والدينا غضب لا يمكن معه أن يرضوا عنا. أما إن كانت التضحيات بوقت أو بقلة نوم أو سهر أو مال ننفقه من أجل حلمنا فكل هذا من المقدور عليه و المستطاع أما أكبر من ذلك فلا لأن تكلفة الحلم وتحقيقه قد تكون أكبر من الحلم نفسه وهنا نندم ولات ساعة مندم.
تشبيه رجل القطار واقعي جدا ومناسب للموضوع بالفعل أحيانا لا ننتبه للرحلة ومن الطريف أنه أحيانا يكون الكنز فعلا في الرحلة نفسها وليس في جهة الوصول، لهذا أحاول على المستوى الشخصي أن أهتم بالرحلة وما يحدث فيه جنبا إلى جنب مع تركيزي على الهدف العام للوصول إلى الحلم، ولكن من الصعب الموازنة برأي لأنها تحتاج نفسها إلى قدرة وطاقة إضافية ولكنها ضرورة ويجب على الفرد اتقانها حتى لا يكون مثل ديوجين الفيلسوف حيث ترك كل حياته في سبيل تحقيق فلسفته الخاصة.
أي حلم بحاجة لتضحيات وتفانٍ في العمل والمثابرة وكلما كان الهدف أسمى كلما كانت التضحيات أغلى، لكن هنا يطرح السؤال نفسه؛ هل من المعقول أن أضحي بشيء نفيس مقابل حلم ليس بتلك الأهمية! فمثلاً كما يفعل بعض الفنانين ونجوم السينما عندما يضحون بتأسيس عائلة وإنجاب الأطفال مقابل الاستمرار في أداء أدوارهم في الفن فأرى حينها أنك تضحي بشي أغلى من هدفك لذلك تبعًا للأهداف تكون التضحيات، ثم إن التوازن دومًا هو الخيار الأفضل فيمكن للإنسان أن يستمر في السعي لحلمه دون التضحية بأشياء ثمينة ومحاولة الاعتدال في ذلك.
ذكرتني بأحمد زكي وكيف كان ينغمس في الشخصية التي يقدمها لدرجة أنه لم يهتم بأن يمكث في منزل ثابت وفقد العديد من مزايا العائلة، ولكن بشكل عام نقطة التوزان هذه صعبة بصعوبة التضحيات التي تقدمها في سبيل الحلم لذا فلنقل كيف تحكم على التضحية التي تقدمها مقابل تحقيق حلمك؟ لأن الأشياء الثمينة في حياتنا تتغير مع الوقت فكيف نحكم عليها؟
ذكرتني بفيلم من أروع الأفلام الموسيقية، التضحيات لا تقدم إلا لتحقيق أحلامنا، التضحية هنا بالمال بالمجهود بأشكال شتى، ولكن كلها في سبيل تحقيقة، بالنسبة لي لتحقيق حلمي مستعد لتقديم الغالي والنفيس حرفيا.
في الحقيقة يا صديقي هو سؤال صعب ويختلف إجابته من شخص إلى آخر ولكن دوماً الإجابة ترتبط بمدى (تصديقك بحلمك وإيمانك بنفسك وقدرتك على تحقيقه ومدى قدرتك على المخاطرة باتباع غريزتك التي تطلب منك السير في عكس الاتجاه المنطقي) تلك النقط فيصيلة في تحديد إجابة كل شخص ، فإن كنت
- تؤمن بحلمك بشدة
- تؤمن بنفسك وقدرتك تماماً
- قادراً على إتباع غريزتك إلى النهاية
- السير بعكس التيار في حالة كان هذا هو خيارك المثالي لتحقيق حلمك
فإذا أنت على الطريق الصحيح ومهما كانت التضحية التي ستبذل فهي تسير بك في الاتجاه الصحيح .. وتأتي إشكالية أخرى إلى أي حد مستعد أن تضحي وبماذا تضحي؟
هل لا يأتي النجاح إلى بالتضحية فعلًا ؟
لدي العديد من الأمثلة عن أشخاص نجحوا دون تعب ومشقة، أحب الفيلم، ولكني لا أتفق مع أسلوب المعلم، بل من الممكن أن يصل الشخص إلى مستوى أفضل بأسلوب مختلف عن المتبع في الفيلم
فيلم البجعة السوداء أيضًا قدم الفكرة نفسها ولكن بشكلً أكثر حدة، فقد ضحت البطلة بنفسها تمامًا من أجل فنها.
أنا أيضا لا أتفق مع أسلوب المعلم في الفيلم والفيلم أيضا كان واضحا أن هذا الأسلوب مهما كان فهو يؤثر بالسلب على الطالب، وفي إشارة مهمة في أحداث الفيلم جاء خبر انتحار طالب موهوب بسبب هذا المعلم ولكنه لم يكترث، وفي فيلم البجعة السوداء هذا دليل على أن الفن أحيانا يقتل صاحبه ويبقى السؤال الأزلي كيف يمكن للفرد التوزان في هذا الأمر؟
التعليقات