إنّ القِتال الشَرِس الذي نراهُ بالحروب سواء في الفترة الحالية أو في الأزمان التي سبقت لا يقوم دائماً على المهارة، ولا على التقنية والبراعة والأدوات المُعدّة للنيل من الآخر بأكثر صورة بشعة ممكنة، هذا عادةً ما يأخذ في التدريب العسكري أقل مُدّة ممكنة، إذا على ماذا يُركّز الإعداد الذي يُحوّل الإنسان العاديّ إلى مُقاتِل غير عادي بالمرّة؟

انتزاع الرَحمة، كُلّ الرحمة والمشاعر الإنسانية.

تعتبر المؤسسات التي تُعدّ المُقاتل أنّ المشاعر الإنسانية وخاصّة الرحمة هي ما تقفُ حائلاً بين الإنسان وقدرته التي تُمكّنه من إلغاء الآخر، لذلك تقوم بكل قوّة وبكل منهجيّة إلى سلخ هذه المشاعر من الإنسان ليستطيع أن يتحوّل حرفياً إلى آلة تُنفّذ ثُمّ تعترض، تُلغي وتقتل وتُواجه بلا أسئلة أو تردد.

والسؤال يأتي هُنا ويتشكّل من تلقاء نفسه: هل يُعدّ هذا الأمر أخلاقياً؟ هل يُعد صناعة هؤلاء الشُبّان وهنا نتحدّث عن صناعة حقيقية يتم فيها الشاب بدخوله لمعمل بشري يُحوّله فيها إلى آلة فولاذية مُعدّة للقتل، هل هذه الممارسات أخلاقية؟ قد تُجيبني ببداهة شديدة واستغراب: بالطبع لا! هي غير أخلاقية بالمرّة! 

ستانلي كوبريك المُخرج الأمريكي الأشهر تقريباً على الإطلاق صاحب التحف السينمائية الأوسكارية لهُ رأي آخر في فيلمه الشهير المليء بالأسئلة: full metal jacket. حيث استعرض فيه قصّة شاب ساذج جميل وسمين وفي حياة مدنيّة عاديّة يدخل واحدة من المُخيّمات التي تهدف إلى تدريبه وتعليمه معنى الحرب والقتال مع أعداد كبيرة أيضاً من الرفاق. يُرينا كيف قامت المؤسسة العسكرية بتدمير هذا الشاب في النهاية ودفعه لارتكاب الانتحار! 

يلوم الجميع هذا المنطق الذي يجعلنا ندفع الشُبّان إلى هذه العدميّة، ولكن يستعرض لنا كوبريك أخيراً مشاهد لحرب في الفيتنام كان على جيشهم (بغضّ النظر عن عدالة القضيّة) تحمّل كُل المصاعب والخسائر للمواجهة من أجل هدف يُعد أمناً قومياً لهم، كيف سيقوم الشُبّان بذلك لولا ذلك الإعداد المُسبق؟ لا مجال إلى ذلك برؤية كوبريك.

ورُبما أنا أشاطره الرأي أيضاً، لا بُد لكل مجتمع أن يحتوي هؤلاء الرجال وحتى لو مُورس عليهم هذا الضغط الغير طبيعي يبقى الأمر طبيعي وأخلاقي لا لشيء بل لخدمة سبب أعلى وأسمى: حماية البلاد ككل.

أخيراً: أنت في رأيك، هل ترى أنّ انتزاع الرحمة والمشاعر الإنسانية من قلب المُقاتل وصناعة الوحش فيه أمراً ضرورياً لا بُدّ منه؟ أمراً أخلاقياً؟ شرّاً لا بُدّ منه؟ أم أنّ هُناك طرق أخرى قد تُجنّبنا هذا الألم؟