هل تذكرون تلك الفكرة الأفلاطونية التي درسناها في المدراس؟ أن نتخيل مجموعة من البشر يسكنون كهفاً مُظلما مُكبَّلين فيه بالحديد وكل ما يروه هؤلاء الأشخاص من العالم هو مجموعة من الظلال المعكوسة على الحائط ، والتي يعتقدون أنها مخلوقات قائمة بذاتها وليست إسقاطات لأشياء أخرى.

وعندما ينجح أحدهم في فكّ حديده والخروج من الكهف ويرى العالم بحقيقته لأول مرة، يعرف أن كل ما كان يعيشه "مجرد وهم" وهم خالص، وأن ما كان يراه ما كان إلّا إنعكاس لحياة حقيقية لا يراها فعلاً.

كل ما سبق هي فكرة لأفلاطون كانت وما تزال تشغل العالم

قد سجّلها سابقاً في كتابه الجمهورية، وفيه نجد أحد أبرز التساؤلات الفلسفية حول طبيعة الحقيقة والشك في أن يكون كل ما نعيشه نحن البشر، مثل سُكّان الكهف، هو مجرد وهم بينما توجد الحياة الحقيقية وربما الحياة التي نريد ونشتهي في مكان آخر.

يُعاد تمظهر هذه الفكرة عادةً بالأفلام، لكن من أقوى الأفلام التي تحدّثت عن هذا الموضوع وهذا السؤال، هو فيلم Trueman show للممثل الكوميدي الأشهر تقريباً في العالم جيم كيري. 

بالنسبة إلى ترومان، كان ذلك الوهم حقيقة يعيشها، فقد كان يعيش داخل أستوديو عملاق صُمّم لكي يُحاكي العالم الخارجي ويُوهمه أنه يعيش حياة عادية! بينما في الواقع، لم يكن عالمه سوى برنامج تلفزيوني! برنامج تلفزيوني يشاهده الملايين حول العالم، وكل الشخصيات حوله، كل عائلته وأصدقائه ومحيطه هم في الحقيقة ممثلون محترفون.

يناقش الفيلم المعضلة نفسها التي طرحها أفلاطون. لكنه تناول أيضا مشكلات أخرى تعني الزمن الحاضر الذي نعيشه، مثل هوس البشر برؤية حياة الآخرين من وراء شاشات (إسقاط لفكرة الوهم على جدار الكهف) والطرق الغريبة والملتوية مرّات التي صارت وسائل الإعلام تتبعها لجني مزيد من المشاهدات، ليكون سؤال الفيلم الأول والأخير: هل ما نعيش هو فعلاً وهم حقيقي؟ وهل حياتنا الخاصّة كما ندعوها، هي خاصّة فعلاً؟ في ظل وجود قدرة غير طبيعية لكل الحكومات والمؤسسات على مراقبة الناس، كلّ الناس؟

أنصح بمشاهدة الفيلم والقراءة عن هذا الأمر، وأسأل المُهتمّين حقاً مثلي في هذا الموضوع: هل ينتابك شعور أحياناً بأنّ العالم الذي تعيشه وهماً؟ أو غريباً على الأقل؟ وكيف يمكنك التكيّف أو تُفكّر في التكيّف فعلاً (نفسياً مثلاً) مع هذا الأمر في ظل عالم يزيد انغماسك أكثر وأكثر حالياً في السوشال ميديا ومنصّاتها؟