تفوتني الصور والمشاهد لمّا أكون بُصحبة الناس، مهما حاولت يطير شيءٌ من شيء أو حتى أحياناً كُلّ شيء. 

يُقال بأنّ أفضل تجربة مشاهدة يُمكن أن تعيشها هي تلك التي بالشروط التالية: غرفة مُظلمة ووحدك بين الناس.

أنا أقول حتى الصالات السينمائية تحرمني من مُتعة المُشاهدة وأجدني أفاضلُ دوماً وأفضّل أن أكون وحدي في المنزل أمام اللابتوب على أن أكون وحدي بين الناس، كُل تلك الضحكات والقهقات وربما البُكاء والتنهّدات، المُرور المُفاجئ من أمامك والأصوات الغريبة التي تصدرُ هُناك، صوت فرقعة البوشار في الأفواه وتكسّر الشيبس، صوت الحركات اللاإرادية التي أحتاج أن أفعلها من تمطيط لجسدي ومدّ لجسمي لأعيد تنشيط دورته الدموية، كُل ذلك يجعل تجربة وجودي بين الناس من أسوء التجارب التي يُمكن أن أعيشها، كُل تلك التفاصيل الصغيرة تُغطّي عليّ مُتعة العمل وتحجبه عنّي، تحرمني من فرصة الانسجام مع ما يحدث بذات الصورة والسويّة المطلوبة أو التي يتمنّوها منّي صُنّاع الفيلم. لكن هل الصالات فقط تحرمني من ذلك؟ 

لا، حتى شريكتي، المرأة التي أحاول أن أقضي معها أحلى الأوقات في أكثر الأشياء التي تعنيني فعلاً، مشاهدة الأفلام والحكايا، هذه المُشاهدات الثنائية بكل ما فيها من غرابة، حيث رنين الهاتف والكلام المُفاجئ واضطراري لسماع التعليقات والأكل والمقاطعات التي تأتي فجأة لأمرٍ لا يمكن أن يكون مُهماً أصلاً، كل ذلك يجعل تجربتي مُستفزة أثناء مروري بهذه التجربة. 

قد يكون ما ذكرت مُبالغة، لكنني لمستُ ذلك فعلاً واستنتجته حين لاحظتُ الفرق بين مشاهدة فيلم raging bull وحدي وبين مشاهدته مع عائلتي، حيث أنني بمعالجة القصّة ذاتها شعرت بأنني في المرّة الأولى استطعت التقاط الأبعاد التي أسقطها فعلاً مارتن سكورسيزي وبول شريدير في الإخراج والكتابة، لكن في المرّة الثانية ورُغم أنّها المرّة الثانية صار الفيلم بالنسبة لي فقط شريطاً فيه المُتعة الخالصة المُفرّغة من المعنى، وكأنّهُ فيلم هوليوودي عاديّ يدور حول الغرائز التي يعنيها المُتع وفقط! 

والأن أسأل، بما أنني أفضّل الحضور في غُرفة مظلمة جداً لوحدي دون أيّ مزعجات، ولديّ تعصّب شديد في طقوس مشاهدة الأفلام، هل تُرتّب أنت أيضاً لنفسك طقوساً خاصّة؟ والسؤال الاهم هل تستمتع بمشاهدة الأفلام أكثر عندما تشاهدها بمفردك أو مع أشخاص آخرين؟