في فيلم المنسي قالت الفنانة يسرا للفنان عادل إمام: أنت فاتك قطار الزواج؛ فرد عليها، وقال: أنا فاتتني قطارات كتير.

الجملة نفسها تُشعر البشر بالندم حتى ولو كانوا سعداء في حياتهم، وقتها سنتخيل حتمًا حياتنا لو كنا سلكنا الطريق الأخر ماذا كان سيحدث حينها؟ فالحياة اختيارات، ولا تسمح لنا بتحقيق كل ما نريد في الوقت نفسه.

صديقاتي في الجامعة الآن أصبحن أمهات ناجحات في تربية أبنائهن وسعداء في حياتهن، ولكن تراودهن كل يوم فكرة "ماذا لو" ماذا لو لم أتزوج وبدأت حياتي العملية وأصبحت كاتبة أو صحافية كأصدقائي الصحافيين في المصري اليوم والجمهورية؟

وعلى الجانب الأخر سنجد الناجحات في عملهن يتساءلن هل أخطئت حينما فضلت عملي على الزواج؟ هل أستطيع إنجاب الأطفال بعد هذا العمر؟

الغريب أن شعورنا لا يحمل في طياته الندم فحسب بل يأتي مع الندم شيء يدق على أبواب عقولنا كل يوم بجملة غاية في القسوة تقول: لماذا تركت هذا أو ذاك ورائك؟ لماذا لم تُجرب الدخول في معركتين في وقت واحد؟

لهذا أنا أتساءل حقًا هل نحن كبشر قادرون على الدخول في معركتين في وقت واحد؟ هل نستطيع النجاح في العمل وفي نفس الوقت نقوم بواجباتنا تجاه الأسرة والأطفال أم من الأفضل أن نكسب المعركة الأولى وبعد ذلك نفكر في المعركة الثانية؟

بعد قراءتي لكتاب فن الحرب لسن تزو استفدت منه بأشياء كثيرة جدًا، منها أن استنزاف موارد العدو وطاقته أقصر طريق للفوز في الحرب، وهذا بالضبط ما أتحدث عنه وهو أن تركيز كل طاقتنا في شيء واحد وعدم استنزافها في معارك كثيرة سيجعلنا نصل للنصر بسرعة؛ لهذا أثق أن من اختار أن يمشي في طريق واحد لأخره سيصل لهدفه أسرع ممن سلك طريقان في الوقت ذاته؛ فركوب قطار وترك الأخر لا يعني أبدًا أننا ضيعنا فرصة ركوب هذا الأخر، كل ما في الأمر أننا أجلنا ركوبه لوقت لاحق فحسب.

دعونا الآن ننظر للموضوع من زاوية أخرى، زاوية الأولويات، وكيف تؤثر الأولويات على قراراتنا وتجعلنا نؤجل قطارات كثيرة في حياتنا، تخيلوا معي قصة شخص يعشق عمله بشدة لدرجة أنه لا يفعل شيء في الحياة سوى التفكير في العمل، للأسف كلنا أصبحنا مبرمجين على تلك الوضعية، خاصة من يعمل في مجال العمل الحر ورواد الأعمال، وبسبب وجود العمل في قائمة أولوياتنا سنجد أن أغلبنا لا يفكر في القطارات الأخرى التي تركها خلفه، قطار الزواج، قطار ممارسة الهوايات، قطار تعلم لغة جديدة، قطار السفر، قطار معرفة الذات...الخ.

والآن أخبروني بأفكاركم هل الأولويات تجعلنا نتجاهل القطارات التي مرت بجوارنا فقط من أجل اللحاق بقطار أخر يساعدنا على تحقيق أهدافنا؟ وهل تجاهل القطارات الأخرى سيجعلنا نندم في المستقبل ونقول لماذا لم ألحق بهم أم سترددون مقولة: هذا أفضل؛ فالملتفت لا يصل؟