ابتلعني ظلام قاعة العرض تماماً، لأقضي ٣ ساعات من وقتي متابعاً أحداث الفيلم المصري "كيرة والجن" المقتبس عن رواية ١٩١٩ للكاتب الشاب أحمد مراد، والذي يحكي عن المقاومة المصرية الباسلة، للاحتلال الانجليزي الغاشم، الذي تسبب في قتل وتشريد ملايين المصريين على مدار سنوات طويلة.

الفيلم مقتبس عن قصص حقيقية، للمناضل "أحمد كيرة" الذي يعمل صباحا في مهنته التقليدية كطبيب، وعندما يأتي المساء يشترك مع مجموعة سرية للمقاومة ضد الاحتلال، مقرهم الأساسي أسفل مقهى ريش الثقافي بوسط القاهرة. ويستعرض الفيلم أسماء هامة عملت في المقاومة مثل المناضلة دولت فهمي، وأسماء أخرى.

المميز في الفيلم، قدرته على تقديم التاريخ المصري المعاصر بطريقة شيقة، وهو فخ سقطت فيه الكثير من الأعمال التي تناولت التاريخ المصري، أنها لم تكن شيقة اطلاقا خاصة بالنسبة للمشاهدين الشباب والمراهقين. لكن (كيرة والجن) استطاع توظيف مجموعة ضخمة من مشاهد الحركة والمطاردات واطلاق النار، كطعم لتمرير رسالته التاريخية بأقل قدر ممكن من الملل.

أكثر ما أعجبني في كيرة والجن، أنه لا يقدم الشخصيات من منظور (ملائكة وشياطين)، بمعنى أننا نرى شخصيات في المقاومة تفتقد لبوصلتها الأخلاقية، بينما نرى العدو حاد الذكاء، وقادر على نصب الفخاخ وينجح في كثير من الأحيان في الامساك بعناصر المقاومة. هذا الأمر لطالما افتقدته الأفلام التي تتناول الأحداث التاريخية، حيث يظهر الاحتلال في صورة العدو الغبي المفتقر للخبرة، بينما المناضلين أذكياء شرفاء لا يخطئون أبداً! لقد كسر احمد مراد مؤلف الفيلم هذا الحاجز، لدرجة أن بطل الفيلم (عبد القادر الجن) هو بالأساس سكير منافق غير مهتم بالقضية النضالية لوطنه! حتى يحدث ما يغير كل هذه الصفات لديه.

أرشح (كيرة والجن) للمشاهدة لكل من يريد معرفة المزيد عن التاريخ النضالي المصري ضد واحدة من أطول وأقسى فترات الاستعمار في التاريخ، ولمن يريد دراسة كيف يمكن صناعة فيلم هام، ومسلي في نفس الوقت.

على تويتر