الغيب هو كل ما غاب عنا، وقد يكون ما هو غيب بالنسبة لنا، شهادة لغيرنا، فأنا يغيب عنا ما يفعله كل واحد منكم الآن، لكن ذلك معلوم لكم قطعا. 

ويغيب عني ما يدور في صدر كل واحد منكم لكنه معلوم لكم، ويغيب عنكم ما يدور في صدرى لكنه معلوم لي. 

ثمة تساؤل ينتابني هنا، ماذا لو استطاع الإنسان إدراك ما يجول في خواطر الناس وحديثهم لأنفسهم؟ 

في فيلم الحاسة السابعة استطاع البطل بحيلة ما أن يسمع ما يقوله الناس لأنفسهم كما نسمع نحن الكلام الذي ينطق به غيرنا، ويقرأ أفكارهم كأنهم كتاب مفتوح، وحقق من هذه الميزة نجاحات عظيمة. لكن كيف صار الأمر معه؟ 

إن هذه الميزة جعلته يغوص في أعماق الناس فيرى حقيقتهم ويتعرف على أحقادهم ويرى بشاعة نفاقهم، إذ كان ما يظهره الناس خلاف ما في أنفسهم، لا شك أن هذه الميزة أنقذته من بعض الأمور التي لولاها لوقع في مآزق عدة، لكن جعله هذا الأمر يتحمل فوق طاقته، وجعلهم عرايا أمامه يرى مساوءهم كلها مما ترتب عليه نظرة تشاؤمية تجاه المجتمع وكره له لا يتحمله بشر، هذا وقد جعله الأمر ينشغل بالناس وينسى نفسه كأنه لا يخطئ رغم أن هذه الميزة في ذاتها كذب وخداع كي ينال نجاحا لم يكن له أهلا. 

هذا الانسان سمع صراخ الناس و بما في داخلهم و ما يحدثون به أنفسهم من هموم وشكاوى وخيانات دون أن ينطقوا به. فهل لو كان أحدنا مكانه سيتحمل مثل هذه الأمور؟ ناهيك عن الضوضاء الناتجة فيما يفترض أنها أكثر الأماكن هدوءا نتيجة سماعه كلامهم لأنفسهم!.

هذا الفيلم ذكرني بفيلم آخر قديم تناول قضية مشابهة وهو فيلم موعد مع إبليس. وبخديعة ما من الشيطان استطاع الطبيب أن يرى المرضى الذين سيموتون بشكل معين أما الذين لم يحن أجلهم فيراهم بشكل طبيعي، فكان كثير من الناس ممن يستعصي علاجه على الأطباء يذهبون إليه فينظر إليهم فإن رآهم بشكل طبيعي يصف لهم أي علاج فيشفون. 

وحينما رأيت هذا الفيلم قلت في نفسي.. ماذا سيفعل إن رأى أحب الناس إليه فجأة كما يرى الذين حان أجلهم؟ وحينما تخيلت الأمر اقشعر جسدي، وقد حدث ذلك في الفيلم، حيث رأى ابنه وهو يلعب فجأة كما يرى المرضى الذين ينتظرون أجلهم فثارت ثائرته، وتذكر أن هذا آخر الأمر وليس بيده شئ، وقد حزنت عليه كثيرا، فإن إحساس العجز تجاه إنقاذ أقرب الناس إليك ليس بهين، وما يزيد الأمر صعوبة هو فقدان الأمل. 

الأمل هو ما يحيا لأجله الناس فكيف بنا وقد فقدناه فجأة؟ وما يزيد الأمر صعوبة أنك لا ترى به مرضا أو سببا، ويقينك التام بناء على تجاربك أن الأمر انتهى، ورغم كل ذلك لم يستسلم لأن الأمر خاص بطفله الصغير. 

والسؤال هنا أيضا: كيف يتحمل الإنسان مثل هذا الأمر الجلل؟ وهل يعد جهلنا ببعض الغيبيات خير أم هو شر؟