موسيقى الجاز المميزة التي تتخلل المشهد تنقلنا معها إلى سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا لشوارع مدينة نيويورك التي لا تعرف النوم أبدًا، ومن بين الضباب الأبيض الكثيف الذي تعج به الشارع، تنبعث سيارتنا، وعلى الرغم من الظلام الذي يغطي الطرقات، تستطيع على الفور تمييز لونها الأصفر الفاقع، ومن ثم يرسو نظرك على سائقها، وهو رجل في منتصف العمر، ولكن منظره لا يشعرك أبدًأ بالراحة، فما قصته؟

إن كنت حقًا تريد أن تعرف، فاستعد لخوض رحلة يقودها المخرج المخضرم «مارتن سكورسيزي» في الأعماق الدفينة لعقل رجل رفيقه الوحيد الذي لم يفارقه أبدًا هو الوحدة... وربما أيضًا الأرق وبعض الخلل العقلي. 

فيلم «Taxi Driver» هو فيلم جريمة سوداوي ونفسي صدر عام 1976، ومن بطولة «ربيرت دينيرو» الذي أبدع في تجسيد شخصية «تراڨيس بيكل» وهو شخص منعزل ويعاني من العديد من الاضطرابات النفسية والتي تدفعه بالتدريج للانعزال عن الواقع والعيش في عالمه الخاص، والذي يطمح أن يكون فيه بطلًا مغوارًا ويقوم بتطهير شوارع نيويورك التي كانت في السبعينات مرتعًا للجريمة والانحطاط.

نعرف أن «تراڨيس» يعاني من أرق شديد يجعله لا يعرف طعم النوم كباقي البشر، ولذلك يعمل في الوردية الليلة ويجوب شوارع نيويورك حتى مطلع الصباح تائهًا يتخبط بين وجهاته، ويقابل ليلًا أنواع مختلفة من البشر يحتقرهم ويعتبرهم مصدرًا للقذارة في شوارع المدينة.

ويأخذنا الفيلم لنتابع الانتخابات الأمريكية حيث يؤيد «تراڨيس» مرشحًا ليس مقتنعًا به؛ ليحظى على إعجاب «بيتسي» التي تعمل في حملة ذلك المرشح، ويراها رمزًا للطهارة، ولكن بعد رفضها له، يبدأ «تراڨيس» باقتناء عشرات الأسلحة النارية، ويستعد لتنفيذ خطة يقوم فيها تطهير المدينة والتخلص ممن يلوثونها.

حتى الأن قد تعتقد أن الفيلم طبيعي وأنه مجرد إسقاط على الحياة في أمريكا في ذلك الوقت، وعلى مشكلة اقتناء الأسلحة النارية، ولهذا أعجب الكثير من المشاهدين والنُقاد. ولكن، ماذا لو أخبرتك أنه هنالك من حاول تجسيد شخصية «تراڨيس» على أرض الواقع؟

في 30 مارس 1981، أطلق شاب يدعى «جون هينكلي» 6 طلقات من مسدسه على الرئيس الأمريكي «رونالد ريغان» محاولًا بذلك اغتياله، وأقدم على فعلته هذه بعد أن شاهد فيم «Taxi Driver» أكثر من 30 مرة وأصبح مهووسًا حد الجنون بشخصية «تراڨيس بيكل»، وفعل هذا لكي يجذب انتباه أبطال الفيلم ويعبر لهم عن حبه.

فهل تصدق هذا! والسؤال الذي يجب أن نسأله هو هل يمكن فعلًا أن تحث بعض الأفلام التي تحتوي على رسائل معينة أو تكون عنيفة بشكل زائد عن الحد المشاهدين على العنف أو حتى القتل؟