حين تأملت في حوادث الحياة الاجتماعية من حولي — الفرح، الحزن، الموت، الحروب، الاحتفالات — وجدت أنها تتكرر بلا نهاية، وكأنها مسرحية قديمة تُعرض لجمهور جديد في كل زمن، مع تغيّر الأزياء والوجوه، وبقاء النص بلا تبديل.

لقد سألت نفسي كثيرًا: هل هذه البساطة المدهشة في تكرار الحياة نابعة من طبيعة الإنسان نفسها؟ أم أنها نتيجة لنظام بشري خفي يعيد إنتاج نفس النتائج عبر الأجيال؟

حين أنظر لتاريخ بلدي، الجزائر، أجد أن ذاكرة أبي وجدي مشبعة بنفس الكلمات: الاستعمار، العزل، القمع، الحروب القبلية، المجازر، النفي، الخيانة، المقاومة، القصف، الطائرات، الهدنة، الإرهاب، الاستقلال المؤجل... وحين ألتفت اليوم لما يحدث في فلسطين، أجد — بمرارة شديدة — أن المشهد لم يتغير: الاحتلال، الحصار، المقاومة، الاغتيال، المجازر، العزل الإعلامي، الصمت الدولي، ثم هدنة مؤقتة، فقصف جديد... وهكذا بلا نهاية.

جيل بعد جيل... والنتيجة واحدة. كأن التاريخ أُغلق على دائرة لا تنكسر.

أيعقل أن يكون الإنسان عاجزًا عن الهروب من هذا التكرار؟ هل الحروب، الفرح، الحزن، الموت، الخيانة، الانتصار، كلها ضرورات طبيعية كالمطر والشمس؟ هل الفطرة الإنسانية — بخوفها وطمعها وأملها الدائم — تفرض هذه النهاية على كل جيل مهما حاول التغيير؟

أم أن هناك نظامًا بشريًا — سياسيًا، اقتصاديًا، ثقافيًا — يُعيد تشكيل الأجيال من الداخل، في المدرسة، في الإعلام، في الدين، حتى يعودوا لتمثيل الأدوار ذاتها؟ يولد الطفل حرًا... ثم يُعاد تدريبه ليصبح خائفًا، مطيعًا، طامعًا... فيعيد ما فعله آباؤه، من حروب أو خضوع.

ربما الحق في الأمرين معًا: الإنسان يحمل في داخله طبيعة ثابتة — تبحث عن الأمان، القوة، السيطرة، الحب، الخلود — لكن المجتمع يصنع له القوانين، القيم، الحدود، فيقوده ليعيد نفس النهاية، مهما تغير العصر.

الفيلسوف الألماني "نيتشه" كان يقول: "كل شيء يعود، وكل شيء يتكرر كما هو... إلى الأبد." وكأن الكون لعبة واحدة لا نهاية لها... فقط يتبدل اللاعبون.

ربما لهذا السبب تبدو الحياة "بسيطة" حين تنظر إليها بعمق: الفرح له طقوس تتكرر — أغنية، ضحكة، رقص، هدية. الحزن له طقوس تتكرر — دموع، صمت، وحدة، صلاة. الموت له طقوس تتكرر — دفن، حداد، ذكرى، نسيان. الحرب لها أسباب تتكرر — خوف، طمع، كراهية، انتقام. السلام له شروط تتكرر — تنازل، وعود، خيانة مؤجلة.

تكنولوجيا جديدة؟ جيل "واعي"؟ شعارات مختلفة؟ نعم... لكن النتيجة القديمة لا تتغير.

هذه الحقيقة مرة... لكنها تكشف سرًا عميقًا: العالم أبسط مما نتصور. الحياة البشرية — بكل تعقيدها الظاهري — محكومة بقوانين قليلة، بسيطة، صلبة، لا يمكن كسرها بسهولة.

❖ ربما لهذا نحزن حين نرى فلسطين تعيش ما عاشته الجزائر. ❖ وربما لهذا نخاف أن نعيش نحن ما عاشه أجدادنا. ❖ وربما لهذا يحذر الفلاسفة: "من لا يفهم تكرار التاريخ... سيعيش فيه مرة أخرى."

في النهاية: هل يمكن للإنسان أن يكسر هذه الدائرة؟ أن يكتب سيناريو جديدًا للحياة؟ أم أن قدره أن يبقى أسير هذا التكرار الأبدي؟

السؤال مفتوح... والجواب لم يأتِ بعد.