في لحظة حب، قد نشعر بأننا نُحلّق فوق الأرض، وكأن كل ما حولنا يبتسم. وفي لحظة غضب، قد نرى العالم كله عدوًا، وكل كلمة بريئة تتحوّل إلى طعنة. ما الذي يتغير؟ العالم كما هو، لم يتبدل. لكن الدماغ؟ لقد قلب كل شيء رأسًا على عقب.

حين نُحب، يُفرز الدماغ كميات هائلة من الدوبامين والأوكسيتوسين، فيتحول المحبوب إلى "أجمل إنسان في الوجود"، وتغدو عيوبه صفات "لطيفة"، وتفاصيله الصغيرة "ساحرة". لا نراه كما هو، بل كما رسمه الدماغ، بعد أن صبغ رؤيتنا بفلتر ممتلئ بالهرمونات. ولذلك، كثيرًا ما نندهش لاحقًا: "كيف كنت أراه بهذا الشكل؟"

أما حين نغضب، فالأمر لا يختلف كثيرًا في آليته، وإن اختلف في نتيجته. يفرز الدماغ الأدرينالين والكورتيزول، ويشغّل نظام "التهديد والاستجابة". فجأة يصبح الطرف الآخر مستفزًا في كل كلمة، حتى لو قالها بلطف. ترتفع نبرة الصوت في رأسنا، لا في الواقع. وتبدأ ذاكرتنا في استدعاء كل موقف مزعج، كأنها تجتمع لتدعم موقف الغضب، وتؤكد أن "معي حق".

في كلتا الحالتين، لا نتعامل مع الحقيقة، بل مع نسخة منها صنعها لنا الدماغ، بناءً على حالتنا الشعورية. يختار الدماغ ما يسلّط عليه الضوء، وما يتجاهله، ليصنع لنا سردية متماسكة تبرر مشاعرنا.

ربما لهذا السبب، علينا دائمًا أن نشك في يقيننا أثناء الحب، ونراجع أفكارنا أثناء الغضب. لأن الدماغ، حين يحب أو يغضب، لا يُسلّم لنا الحقيقة كما هي، بل كما يريدنا أن نراها.

كم مرة نظرتم إلى موقف قديم واكتشفتم كم كانت مشاعركم وقتها تخدعكم؟